يقول النبي ﷺ: ” عليكم بالإثمدِ عند النوم ، فإنَّهُ يجلو البصرَ، ويُنبتُ الشَّعـرَ ) ما معنى الإثمد؟
يثير حديث النبي محمد ﷺ عن “الإثمد” اهتمامًا كبيرًا في عصرنا الحالي، حيث يجمع بين الهدي النبوي والحكمة العلمية. يتساءل الكثيرون عن معنى هذا الحديث ومدى تطابقه مع المعارف الطبية الحديثة.
ويسلط هذا المقال الضوء على هذه المادة الفريدة، موضحًا فوائدها كما وردت في السنة النبوية، ومستعرضًا ما كشفه العلم الحديث من أسرارها، مما يؤكد على الإعجاز النبوي في المجال الصحي والطبي.
محتــويات المقــال
النص النبوي ومصادره العلمية
جاء ذكر الإثمد في حديث روي عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حيث قال رسول الله ﷺ: “خَيْرُ أَكَاحِلِكُمُ الْإِثْمِدُ عِنْدَ النَّوْمِ يُنْبِتُ الشَّعَرَ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ، وَخَيْرُ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضُ الْبَسُوهَا وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ”.
وهذا الحديث – كما أوضح الدكتور أبو اليزيد سلامة – قد أخرجه أئمة الحديث المشهود لهم بالثقة والعدالة، مثل الإمام ابن حبان في “صحيحه”، والإمام الحاكم في “مستدركه”، والإمام أحمد في “مسنده”.
تشير دراسة تحليلية للأسانيد إلى أن للحديث طرقًا متعددة يقوي بعضها بعضًا، مما جعله يحظى بقبول واسع ضمن علماء الحديث، كما أن كثرة روايته تدل على اهتمام الصحابة والتابعين بهذا الأمر النبوي ونشره بين الناس.
ما هو الإثمد؟ وكيف نميز الأصلي منه؟
الإثمد هو حجر كحلي أسود يميل لونه إلى الحمرة أو الرمادية، ويُستخرج بشكل رئيسي من مناطق الحجاز في المملكة العربية السعودية، وكذلك من بعض مناطق المغرب العربي وإيران.
يميز العلماء والمعالجون بالأعشاب بين الإثمد الأصلي والتقليد بثلاث طرق رئيسية:
-
السرعة في التفتيت: الأصلي سريع التفتيت إلى مسحوق ناعم.
-
المظهر اللامع: عند تفتيته، تظهر له فتائل ذات بريق وبصيص لامع.
-
النقاء: يكون داخله نقيًا تمامًا خاليًا من الشوائب والأوساخ.
ويؤكد ابن القيم في “زاد المعاد” على هذه الصفات، مضيفًا أن الإثمد يجلب من أصبهان (في إيران حاليًا) وهو أجود ما يكون.
الفوائد النبوية للإثمد: بين الوصف النبوي والتفسير العلمي
1. يجلو البصر ويقويه
الوصف النبوي “يجلو البصر” يعني أنه يزيد من صفاء الرؤية وقوتها، خاصة مع التقدم في السن.
من الناحية العلمية، يحتوي الإثمد على مركبات “الأنتيمون” التي تمتلك خصائص قابضة ومطهرة. هذه الخصائص تساعد على:
-
تنقية العين: تطهير العين من “القذى” (الغبار والجراثيم والإفرازات الضارة).
-
علاج الالتهابات: محاربة الالتهابات البكتيرية التي تصيب الجفون والملتحمة، حيث يعمل كمضاد حيوي طبيعي.
-
دعم صحة الأنسجة: تقوية الأوعية الدموية الدقيقة في العين، مما يساهم في الحفاظ على صحتها.
2. ينبت الشعر ويزيد كثافته
يشير الحديث إلى قدرة الإثمد على إنبات شعر الأجفان وتكثيفه.
علميًا، يحتوي الإثمد على معادن وعناصر غذائية حيوية مثل “الزنك” و”الحديد”، والتي تعزز الدورة الدموية في بصيلات شعر الرموش والحواجب.
هذا التدفق الدموي المحسن يغذي البصيلات ويمدها بالأوكسجين والعناصر اللازمة لنمو أقوى وأسرع، مما يزيد من كثافة الشعر وطوله بشكل طبيعي وآمن.
3. يذهب الصداع ويعالج آلام الرأس
ذكر الباحث الشرعي أن استخدام الإثمد مع العسل المائي الرقيق يساعد في تخفيف الصداع.
تفسير هذه الفائدة يكمن في نظرية “المسارات الطاقة” أو “النقاط الانعكاسية” في الطب التقليدي. حيث إن منطقة العينين وما حولها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأعصاب الرأس الرئيسية.
عند الاكتحال بالإثمد، فإن خصائصه المبردة والمهدئة تساعد على استرخاء هذه الأعصاب وتنشيط الدورة الدموية في الرأس، مما يخفف من حدة الصداع النصفي والصداع التوتري.
آداب الاكتحال بالإثمد: الهدي النبوي في التطبيق
كان من هدي النبي ﷺ الاكتحال عند النوم ثلاث مرات في كل عين.
يحمل هذا العدد “ثلاثًا” حكمة بالغة، حيث يضمن ذلك توزيعًا متساويًا للمادة الكحلية على كامل سطح الجفن، مما يمنحها وقتًا كافيًا للامتصاص والعمل أثناء الليل دون أن يعيق الرؤية أو الأنشطة اليومية. كما أن التوقيت “عند النوم” يتوافق مع ذروة عمليات الترميم والاستشفاء التي يقوم بها الجسم.
توجيهات مهمة: بين الطب النبوي والموضة الحديثة
يشدد الدكتور سلامة على نقطة في غاية الأهمية، وهي أن استعمال الرجل للكحل في الأصل هو لأغراض صحية وعلاجية وليس للزينة.
يحذر الأطباء اليوم من المبالغة في استخدام الكحل التجميلي، خاصة الذي قد يحتوي على مواد كيميائية مثل “كبريتيد الرصاص” الذي يشكل خطرًا على صحة العين على المدى الطويل.
وهذا يتطابق تمامًا مع التوجيه النبوي الذي يحذر من الإسراف والمبالغة، مؤكدًا أن الأصل في الاكتحال هو المنفعة الصحية والوقائية، وليس اتباع الموضة أو الإسراف في الزينة الذي قد ينقل الفعل من دائرة “السنة” إلى دائرة “المكروه”.
خاتمة
يظهر من هذا التحليل أن حديث “خير أكحالكم الإثمد” هو نموذج رائع للتكامل بين الوحي والعلم. فما جاء به النبي ﷺ منذ أكثر من 1400 عام، تؤكده اليوم الدراسات العلمية التي تكشف عن الخصائص المطهرة والمقوية والمغذية للإثمد.
ليس هذا فحسب، بل إن التوجيهات النبوية الدقيقة حول كيفية الاستخدام وآدابه تمثل إطارًا وقائيًا يحافظ على صحة الإنسان وسلامته، مما يجعل الهدي النبوي خير دليل للباحثين عن حياة صحية متوازنة.





