قصص وروايات

📖 قصة كأس الشاي

في زحمة الحياة اليومية وتحت وطأة الروتين، تمر علينا لحظات بسيطة نعتقد أنها لا قيمة لها، لكنها قد تكون بوابة لتغيير مصائر بشر. تروي هذه القصة الواقعية من مدينة جدة كيف أن كأس شاي وابتسامة صادقة استطاعا أن يهديا قلب رجل، ويقنعا عشرة آخرين بدخول الإسلام، مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ”.

الموقف الأول: كأس شاي وجرس يعكر الصفو

يقول المدرس: “كنت في غرفة المدرسين، وقد صببت لنفسي كأس شاي لأرتشفه وأستعيد نشاطي بين الحصص. لكن وبينما كان الشاي لا يزال حاراً يعجز عن شربه، دق جرس الحصة معلناً بدء الحصة التالية. وفق النظام المدرسي، يتوجب على جميع المدرسين التوجه إلى فصولهم فوراً. وجدت نفسي في موقف محرج: كأس شاي لن أستطيع شربه الآن، وتركه قد يؤدي إلى إهداره”.

الحل التلقائي: ابتسامة وكأس يمنحان للفراش

في تلك اللحظة، نظر المدرس حوله فرأى أحد عمال النظافة (الفراشين) من الجالية الفلبينية. يقول: “لم أتردد، التفت إليه وابتسمت في وجهه ثم مددت إليه كأس الشاي كهدية متواضعة. كان تصرفاً تلقائياً نابعاً من خلق الكرم الذي نشأنا عليه، ظننت أنني أكرمني بتقديم شيء بسيط، غافلاً عن الأثر العميق الذي سيتركه هذا التصرف”.

الصدمة: اعتراف يكسر حواجز الصمت والغربة

في اليوم التالي، فوجئ المدرس بأن الفراش الفلبيني يأتي إليه ويحدثه بلهجة مليئة بالدهشة والامتنان. قال الرجل: “لقد تفاجأت جداً! هذه أول مرة منذ عامين أعمل فيها هنا يبتسم في وجهي أحد المدرسين، بل ويعطيني كأساً من الشاي! كأن ما فعلته شيء خاطئ أو غير مألوف!”. استمر الرجل في كلامه ليُفصح عن جُرح أعمق: “مضى عامان كاملان، لم يكلمني أحد منكم بكلمة، ولم يمنحني أحدكم ابتسامة واحدة“.

المفاجأة الأكبر: ماجستير العلوم خلف ملمع الأرضيات

ثم جاءت الصدمة الحقيقية التي قلبت تصورات المدرس رأساً على عقب. تابع الفراش حديثه ليكشف عن سرٍّ لم يكن أحد ليخمنه: “أنا أحمل شهادة الماجستير في العلوم، ولكن شدة الفقر والحاجة في بلدي هي التي أجبرتني على القبول بهذه الوظيفة لأعيل أسرتي”. لم يصدق المدرس هذا الكلام في البداية، وقرر أن يختبر صدق الرجل بنفسه.

الاختبار الحاسم: زيارة إلى بيت المدرس تكشف الحقيقة

دعا المدرس الرجل الفلبيني إلى بيته. وعندما حضر، أحضر المدرس كتاباً علمياً معقداً، ثم أطلعه على موسوعة علمية ضخمة مكتوبة باللغة الإنجليزية. يقول المدرس: “ما إن فتح الرجل الموسوعة حتى بدأ يقرأها بطلاقة مبهرة، محلقاً في شرح المصطلحات والمعادلات المعقدة. وقتها فقط تأكدت تماماً من صحة كلامه، ووقفت على عمق المأساة التي يعيشها هذا الإنسان العالم في بلد غريب”.

النتيجة: رحلة من الكأس إلى الإسلام

منذ تلك اللحظة، توطدت العلاقة بين الرجلين، وأصبح الزائر الفلبيني يتردد على بيت المدرس كل يوم جمعة. في جوّ من الاحترام والمودة، بدأ الرجل يطرح أسئلته عن الإسلام. وبعد فترة من الحوار الهادئ والمناقشات العقلية، أعلن الرجل إشهار إسلامه، ليس هذا فحسب، بل إنه – بحماسة المؤمن الجديد – استطاع أن يُقنع أكثر من عشرة من أصدقائه بدخول الإسلام أيضاً.

العبرة: لا تحقرن من المعروف شيئاً

تبقى هذه القصة خير شاهد على أن أبواب الخير والهداية لا تُفتح بالخطب الطويلة أو الجهد الكبير فقط، بل بالإنسان نفسه وبخلقه. لقد كانت الابتسامة الصادقة هي المفتاح الذي فتح قلباً مغلقاً، وكان كأس الشاي البسيط هو الجسر الذي عبرت عليه قيم الإسلام السمحة. إنها دعوة لنا جميعاً كي نعيد النظر في تصرفاتنا اليومية، فلا نحقرن أي معروف، فرب ابتسامة واحدة قد تكون سبباً في هداية أمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى