ما معنى “عضل النساء” المذكور في قوله: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ بسورة البقرة؟
يبرز سؤال حول تفسير مصطلح “العضل” في الآية الكريمة {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} (سورة البقرة: 232) كاستفسار حيوي يمس أحد أوجه العدالة الاجتماعية في الإسلام. هذا السؤال ليس مجرد بحث لغوي، بل هو غوص في الروح التشريعية الإسلامية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وصون كرامته، خاصة المرأة التي كانت مُهضومة الحقوق في الجاهلية.
محتــويات المقــال
القصة التاريخية: السياق الذي نزلت فيه الآية
للفهم العميق لأي تشريع إسلامي، من الضروري الرجوع إلى “سبب النزول”، وهو القصة الواقعية التي نزلت الآية لمعالجتها. في هذه الحالة، تروي المصادر قصة الصحابي الجليل معقل بن يسار رضي الله عنه، الذي قام بتزويج أخته لرجل مسلم. ولسوء الحظ، وقع خلاف بين الزوجين يسبب إلى أن يطلقها الزوج طلقة واحدة.
بعد انقضاء عدتها، ندم الرجل وأدرك تعلقه بزوجته السابقة، التي بدورها كانت تبادله نفس المشاعر، فتقدم لخطبتها مرة أخرى. هنا، ثار غضب معقل بن يسار وقال للرجل بكلمات قاسية: “يا لُكَع (أي يا لئيم)، أكرمتك بها وزوجتك إياها فطلقتها، والله لا تعود إليك أبداً”.
في هذا الموقف الإنساني المعقد، حيث منع ولي الأمر المرأة من العودة إلى زوجها الذي تريد، تدخلت العدالة الإلهية. نزلت الآية الكريمة {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}، فما كان من معقل بن يسار إلا أن استجاب فوراً لأمر ربه قائلاً: “سمعاً لربي وطاعة”، وقام بتزويج أخته للرجل مرة أخرى.
التعريف اللغوي والشرعي للعضل
يشرح الدكتور أبو اليزيد سلامة أن مصطلح “العضل” مشتق من الداء “العُضال”، وهو المرض الصعب المستعصي على العلاج. ومن هنا، فإن “عضل المرأة” يعني منعها عن الزواج والتضييق عليها وحبسها، بحيث تصبح حالة الزواج مستعصية عليها كالداء العضال. وهو تصرف جائر يحرم المرأة من حقها الأساسي في تكوين أسرة والعيش في كنف زوج ترضاه.
التفصيل التشريعي: متى يكون المنع عضلاً ومتى يكون حقاً؟
يؤكد الباحث الشرعي أن النهي عن العضل ليس مطلقاً، بل مقيد بضوابط تحقق مصلحة المرأة والمجتمع:
-
المنع الجائر (العضل المحرم):
-
يقع العضل عندما تريد المرأة الزواج من رجل كفء (أي متساوٍ معها في الدين والخلق والمستوى الاجتماعي المناسب)، ويمتنع وليها (أبوها أو قريبها) عن تزويجها له بدافعٍ من العناد أو الانتقام أو التكبر، أو ليُجبرها على الزواج من غيره. هذا الفعل محرم شرعاً، وهو المقصود بالنهي في الآية.
-
-
المنع المشروع (حق الولي الواجب):
-
إذا تقدم لخطبة المرأة رجل غير كفء (مثلاً: سيء الخلق، أو غير متدين، أو لا يستطيع النفقة)، فإن لولي الأمر حق وواجب في منعها من هذا الزواج. في هذه الحالة، لا يُعتبر “عاضلاً” بل يكون قائماً بمسؤوليته في الرعاية والنصح، حمايةً لها من زواج قد يعرضها للضرر.
-
الروح العامة للتشريع: حرية الاختيار وعدم الإجبار
يستنتج من هذا التفسير أن الشريعة الإسلامية قد جاءت لتحرير المرأة من عادات الجاهلية التي كانت تسلب إرادتها. لقد منح الإسلام:
-
المرأةَ الحق الكامل في قبول أو رفض من يتقدم لخطبتها، شريطة أن يكون الخاطب كفئاً.
-
الوليَّ دوراً توجيهياً وإرشادياً، وليس دوراً قهرياً. فمهمته النصح والمشورة وضمان الكفاءة، وليس إجبارها على من لا تريد.
الخاتمة: العضل ظلم يتناقض مع مقاصد الإسلام
في الختام، يظهر أن النهي عن “العضل” هو تأكيد على المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية: العدل، والرفق، وحفظ الحقوق، ومنع الظلم. أي إجبار للمرأة على الزواج أو منعها من زواج شرعي ترغبه هو تعدٍّ صريح على حريتها التي كفلها لها الإسلام، وهو عمل يتناقض جوهرياً مع مقاصد الشريعة السمحة التي تهدف إلى بناء مجتمع قائم على التراضي والرحمة والمعروف.