كشفت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” الدولية عن تحركات أمريكية تستهدف تأسيس وجود عسكري في قلب العاصمة السورية، دمشق. وتشمل هذه التحركات، وفقًا للتقرير، إنشاء قاعدة جوية عملياتية، مع الإشارة إلى أن طائرات أمريكية قد هبطت بالفعل في الموقع المحدد لاختبار مدى ملاءمته لعمليات مستقبلية.
ويربط التقرير بين هذه الخطوة والتسريع في تنفيذ اتفاق أمني تتوسط واشنطن فيه بين دمشق وتل أبيب، مما يشير إلى أن التوصل إلى صفقة شاملة قد يكون على بعد خطوات، وإن كانت لا تزال محاطة بالكثير من الغموض.
التفسير المحلي: اتهامات “بالشرع” وأسئلة حول السيادة
بينما اقتصر البيان الدولي على الجانب الميداني البحت، تصاعدت على الساحة الداخلية أصوات محلليين وناشطين وجهوا سهام النقد والاتهام لما يُسمى بـ “الشرع” أو الجهات الحاكمة.
هذه الاتهامات تُحمّل النظام السوري مسؤولية منح موافقة سياسية مبدئية أو تقديم تسهيلات أمنية مكنت من هذه التحركات. وفي حال ثبوت صحة هذه المزاعم، فإن التبعات تتجاوز بكثير إطار أي تفاهم دبلوماسي عابر، لتمس جوهر السيادة الوطنية على أراضي العاصمة، التي طالما اعتبرت رمزًا للاستقلال والكرامة.
الأسئلة الدستورية والقانونية الملحة: من أين تستمد الشرعية؟
يُثير الحديث عن منشأة عسكرية أجنبية دائمة في دمشق جملة من الأسئلة الدستورية والقانونية الحادة التي تتطلب إجابات واضحة:
-
أولاً: من الجهة المخولة قانونيًا بمنح مثل هذه الموافقة؟ هل هي رئاسة الجمهورية، أم القيادة العامة للجيش، أم جهاز الأمن القومي؟
-
ثانيًا: ما هي الصفة القانونية التي ستعمل بموجبها هذه القاعدة؟ هل هي اتفاقية دفاع مشترك، أم تعاون أمني، أم إجراء مؤقت؟
-
ثالثًا: ما هي النصوص الدستورية والقانونية التي تستند إليها؟ وأين يتم تصنيف هذه الاتفاقية في هرم القوانين السورية؟
-
رابعًا: كيف يمكن التوفيق بين أي ترتيب من هذا القوب والخطاب الرسمي الداعي لحماية السيادة والاستقلال؟ هذا التناقض الظاهري يحتاج إلى تفسير لا يترك مجالاً للالتباس.
البُعد الاستراتيجي: أكثر من مجرد قاعدة جوية
لا يمكن اختزال القاعدة الأمريكية المقترحة في كونها مجرد “موقف لطائرات”. بل هي في حقيقتها مشروع استراتيجي متكامل يهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة. وجودها يعني:
-
نقطة مراقبة وتحكم دائمة في قلب منطقة جغرافية حساسة ومضطربة.
-
أداة ضغط سياسي وعسكري مباشر على جميع الأطراف الفاعلة في سوريا والدول المجاورة.
-
تغيير جذري في موازين القوى المحلية، وإعادة تعريف “قواعد اللعبة” لصالح القوة المنشئة لها.
وعليه، فإن أي موافقة محلية على مثل هذا المشروع لا يمكن وصفها إلا بأنها تجاوزٌ لكل الخطوط الحمراء السيادية، ولا يمكن تبريرها بأي حجج دبلوماسية مرنة أو وعود غامضة بتحقيق “استقرار إقليمي”.
نداء للشفافية: أزمة ثقة تلوح في الأفق
يطرق هذا المشهدُ الرأيَ العام السوري، المُثقل أصلاً بأعباء الحرب والصراع، بقوة. والرسالة الموجهة للجهات المعنية واضحة: الشفافية هي الحل الوحيد. إذا كانت هناك مشاورات أو اتفاقات جارية، فإن المسؤولية الوطنية تقتضي:
-
الإفصاح الفوري والكامل عن كافة بنود أي تفاهم أو اتفاق.
-
طرح هذه البنود للمناقشة العلنية أمام مجلس الشعب أو أي هيئة تشريعية ذات صلة، لتمثيل إرادة الشعب.
الاستمرار في سياسة التكتم لن يولد سوى مزيد من الشكوك، ليتحول الأمر من مجرد اتهامات إلى أزمة ثقة عميقة تضاف إلى رصيد الأزمات التي يعاني منها البلد.
مطالبات المعارضة: التحقيق والمساءلة حق للشعب
سارع معارضون سوريون إلى المطالبة بفتح تحقيق علني وشامل في أي ترتيبات عسكرية تتم على الأراضي السورية. وأكدوا على ضرورة توضيح الهوية القانونية للجهة التي أقدمت على اتخاذ قرار بهذه الضخامة التاريخية.
فالشعب السوري، الذي دفع ثمناً باهظاً من دمه وكرامته، لا يقبل أن تُجرى صفقات مصيرية تغير معالم سيادته في أروقة مغلقة. كما يرفض أن يتحول وطنه إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، أو إلى قاعدة عسكرية أجنبية تُقيم على حساب حريته واستقلاله. السيادة ليست مساومة، والوطن ليس سلعة.





