ما بدأ كرحلة صيفية عائلية بسيطة إلى “رأس سدر”، مليئة ببسمات الأطفال ودفء الأسرة، تحول في لحظة قاسية إلى كابوس مزق قلب عائلة، واختطف منها عائلها الشاب، محمد اللبان. لم تكن مجرد نزهة، بل كانت الفسحة الأخيرة التي سبقت فاجعة أطاحت بأبسط أحلام الأب الشاب مع زوجته وطفليه الصغيرين.

محتــويات المقــال
حلم بسيط لم يكتب له التحقق: “أولادي هاخدهم للمدرسة بإيدي”
كان محمد اللبان أباً طموحاً، تفيض مشاعره بالحب والعطاء لعائلته. في قلب أحلامه العديدة، كان هناك حلم واحد بسيط وعميق، يردده دائماً على مسامع أسرته: “أول يوم لأولادي في المدرسة أنا اللي هاخدهم بإيدي”. لم يكن مجرد روتين، بل كان لحظة انتظارها بفارغ الصبر ليرسم بيديه أولى خطوات مستقبل طفليه. هذا الحلم البريء، الذي بدا له أجمل أمنيات الحياة، تحول إلى أمنية معلقة لم يقدر له أن يحققها.

من لحظة فرح إلى صرخة فزع: الإهمال يغير المصير في ثوانٍ
في ذلك اليوم المشؤوم، وبينما كانت العائلة تستمتع بوقتها، قرر محمد خوض إحدى الألعاب المائية (“أكوا بارك”) في المسبح المخصص للكبار. كانت زوجته وطفلاه يراقبونه بفرح وسعادة، غير مدركين أن الفرحة على وشك أن تتحول إلى مأساة. بسبب انخفاض منسوب المياه في الحوض بشكل خطير، والغياب التام لأي لوحات تحذيرية أو إشراف من المنقذين، اصطدم رأس محمد بقاع المسبح بعنف. انقلبت اللحظة من ضحكات مرحة إلى صرخات فزع ورعب.
إصابة قاتلة وإهمال في الإنقاذ يضاعفان المأساة
كان الارتطام عنيفاً كفاية لتغيير كل شيء. نتج عن الحادث جرح قطعي وكسر في الفقرتين الخامسة والسادسة من الرقبة، ما أدى إلى شلله الفوري. لكن الإصابة لم تكن الجاني الوحيد. يروي شقيق محمد بصوت مليء بالألم والصدمة: “أخويا مرمي على الأرض أكثر من نصف ساعة.. لم يقم أحد بإنقاذه إلا نزيل عادي، المنقذون لم يكونوا موجودين، والطبيب تأخر.. لا إسعافات ولا تحرك سريع”. مشهد صادم يجسد الإهمال الشديد الذي حكم مصير الشاب، حيث كان بإمكان تدخل سريع ومنظم أن ينقذ حياته.
صراع قصير مع الحياة.. والموت يغلب الحلم
نُقل محمد إلى المستشفى حيث أُجريت له عدة عمليات جراحية في محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن الإصابة كانت بالغة الخطورة، حيث دخل في غيبوبة، وأكد الأطباء لاحقاً على حاجته إلى عملية زرع نخاع في الخارج، وهو أمل بعيد لم تسانده الظروف. بعد أيام قليلة من الصراع، توقف قلبه الشاب عن النبض، ليطوي آخر صفحة في حياة قصيرة كانت زاخرة بالأحلام والطموحات التي لم تجد طريقها للاكتمال.
وداع مؤلم: أطفال يحيون أباً لن يودعهم عند باب المدرسة
تستعد العائلة في هذه الأوقات لتشييع جثمان محمد إلى مثواه الأخير في مقابر العائلة. في مشهد يقطع القلوب، سيقف طفلاه الصغيران، اللذان لم يلتحقا بالمدرسة بعد، بجوار نعش أبيهما للمرة الأخيرة. ينظران إلى والدهما وكأنهما لا يزالان ينتظران أن يمسك بيديهما الصغيرتين في ذلك الصباح المنتظر، ليصحبهما إلى بوابة المدرسة كما كان يعدهم. لكن قسوة القدر قلبت مسار حياتهما قبل أن تبدأ، محولة حلم اللحظة الأولى إلى ذكرى أليمة.
صرخة عدالة: “عايزين حقه عشان مايتكررش”
وراء محمد، ترك إرثاً من الألم: أسرة مكلومة، وزوجة ثكلى، وطفلين يتيمين سيحملان ذكرى أب رحل قبل أن يرى إنجازهما الأول. من بين دموع الفقدان، تعلو صرخة المطالبة بالعدالة.
شقيقه يوجه نداءً إلى المسؤولين والضمير المجتمعي: “عايزين حقه عشان اللي حصل مايتكررش مع حد تاني”. إنها ليست مجرد دعوى قانونية، بل هي صرخة ألم وأمل في آن واحد: أمل في أن تؤدي هذه التضحية إلى فرض رقابة صارمة ومعايير أمان لا تقبل المساومة، حتى لا تذهب أرواح أخرى أبرياء ضحية للإهمال.





