إسلاميات

ما هى الكلمة التى كتبها الله ﷻ فوق العرش؟

يُجمع العقل والنقل على أن الرحمة هي السمة الغالبة في تدبير الله تعالى للكون، حيث نطق القرآن بذلك في مواضعَ عدة، منها قوله تعالى: {كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 12]. هذه الآية الكريمة تشير إلى أن الرحمة صفة لازمة للذات الإلهية، كتبها الله على نفسه كتابةً مؤكدة، كعهدٍ إلهي لا يتخلّف.

المبحث الأول: النصوص المؤسِّسة لمفهوم الرحمة الغالبة

  1. الأسس القرآنية:

    • قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]، حيث تربط الآية بين السلام التحية الربانية والرحمة المكتوبة.

  2. الأدلة الحديثية:

    • الحديث القدسي الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي”، وهو نصٌّ محوري يؤسس لفلسفة الرحمة في الكون.

المبحث الثاني: تحليل النصّ القدسي ومراتبه

  1. الكتابة على الذات الإلهية:

    • في رواية البخاري: “وهو يكتب على نفسه”، مما يدل على تأكيد هذا الوعد وتخصيصه.

    • وفي رواية مسلم: “كتب في كتابه على نفسه”، مؤكدةً الجمع بين الكتابة والذات.

  2. الوضع فوق العرش:

    • يقول الطيبي: “وضعُه فوق العرش إشارة إلى علوّ شأنه وجلال مقداره”، حيث يفوق هذا الكتاب في مكانته اللوح المحفوظ الذي تحت العرش.

    • الحكمة من التمييز: اللوح المحفوظ يحوي نظام العدل الكوني، بينما كتاب الرحمة يمثّل نظام الفضل الإلهي.

المبحث الثالث: فلسفة غلبة الرحمة

  1. الرحمة الشاملة:

    • قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]، بينما الغضب خاصٌّ بالمستحقين.

    • إحصاء قرآني: ذكر “الرحمة” في القرآن يفوق ذكر “الغضب” بأضعاف.

  2. مظاهر الغلبة:

    • الرحمة تسبق الغضب في الوجود: تبدأ حياة الإنسان بالرحمة (طفولة، رعاية) قبل التكليف.

    • العفو عن الكثرة: {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

المبحث الرابع: دلالات الوضع فوق العرش

  1. الثبات والقدسية:

    • الكتاب غير خاضع للنسخ أو التبديل، بخلاف اللوح المحفوظ الذي {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39].

  2. الاستعلاء عن الإدراك:

    • كما ذكر الطيبي: “مرفوع عن حيز الإدراك”، فلا يُطّلع على تفاصيله إلا من أذن الله.

المبحث الخامس: الانعكاسات العقدية

  1. التوازن بين العدل والفضل:

    • العدل في اللوح المحفوظ (لكثرة المعاصي)، والفضل في الكتاب الأعلى (لغلبته).

  2. البعد التربوي:

    • تحفيز الرجاء: “لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” [يوسف: 87].

    • توجيه الدعاء: “ادعوا الله وهو يحب أن يُسأل”.

خاتمة: الرحمة كمنهج حياة
إن هذا النصّ القدسي يقدم رؤية كونية متفائلة، تجعل المؤمن يعيش في ظلّ رحمة الله الواسعة، مطمئناً أن رحمة ربه تغلب كلّ تقصير، وهو ما يعزز القيم الإيجابية في النفس والمجتمع. فالحمد لله الذي جعل الرحمة سباقة، والعفو سابقاً، والمغفرة شاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى