هل يجوز المداومة على قراءة سورة معينة بعد الفاتحة في جميع الصلوات وفي جميع الركعات؟
السؤال:
ما حكم تكرار السورة نفسها بعد الفاتحة في الركعتين سواء في الصلاة المكتوبة (الفرض) أو النافلة؟ وهل يشرع تكرار السورة في الركعة الواحدة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
أولًا: تكرار السورة في الركعتين
اختلف الفقهاء في حكم تكرار السورة نفسها بعد الفاتحة في الركعتين:
1. قول المالكية والكراهة في الفريضة:
– ذهب المالكية إلى كراهة تكرار السورة نفسها في الركعتين في **الصلاة المفروضة**، واستحبوا أن تكون السورة في الركعة الثانية غير التي قرئت في الأولى، وألا تكون أعلى منها في ترتيب المصحف.
– قال في *مواهب الجليل*:
> “وَكُرِهَ تَكْرَارُ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَمَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ سُورَةً فَوْقَهَا وَلَا يُكَرِّرُهَا، وَقِيلَ: يُعِيدُهَا، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ.”
– لكنهم أجازوا التكرار في **النافلة** دون كراهة.
2. **قول الحنابلة والجواز مطلقًا:**
– ذهب الحنابلة إلى جواز تكرار السورة في الركعتين، سواء في الفرض أو النفل، مستدلين بفعل النبي ﷺ.
– قال ابن قدامة في *المغني*:
> “وَإِنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ سُورَةً ثُمَّ أَعَادَهَا فِي الثَّانِيَةِ فَلَا بَأْسَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ: {إِذَا زُلْزِلَتِ} فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا.”
– وأيد الشيخ ابن عثيمين هذا القول، ورجح أن تكرار النبي ﷺ للسورة كان تشريعًا وليس نسيانًا.
ثانيًا: تكرار السورة في الركعة الواحدة
1. **كراهة التكرار في الركعة الواحدة عند المالكية:**
– كره المالكية تكرار السورة في الركعة الواحدة، سواء في الفرض أو النفل، إلا أن بعض متأخريهم أجازوه في النفل.
– قال الصاوي في *حاشيته على الشرح الصغير*:
> “وَقَدْ وَرَدَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ تَكْرِيرِ السُّورَةِ كَالصَّمَدِيَّةِ فِي الرَّكْعَةِ، وَظَاهِرُ مَا وَرَدَ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ وَلَوْ فِي النَّفْلِ.”
2. **عدم ورود تكرار السورة في الركعة الواحدة في السنة:**
– لم يرد عن النبي ﷺ أنه كرر سورة في ركعة واحدة، خاصة في الفريضة التي يُشرع فيها التخفيف.
– وأما تكرار الفاتحة في الركعة الواحدة، فمكروه عند الجمهور، بل ذهب بعض العلماء إلى بطلان الصلاة به.
ثالثًا: المداومة على سورة معينة
– **الجواز مع عدم الكراهة:**
– يجوز للمصلي أن يداوم على قراءة سورة معينة بعد الفاتحة، بشرط ألا يعتقد أن غيرها غير جائز.
– دليل ذلك ما ورد عن الصحابي الذي كان يقرأ سورة الإخلاص في كل ركعة، فأقرّه النبي ﷺ.
– **قول بعض العلماء بالكراهة:**
– كره بعض الفقهاء المداومة على سورة واحدة دون تغيير، لكن الراجح الجواز.
الخلاصة:
1. **تكرار السورة في الركعتين:**
– جائز عند الحنابلة، ومكروه في الفرض عند المالكية إلا في النفل.
2. **تكرار السورة في الركعة الواحدة:**
– مكروه، خاصة في الفريضة، ولم يثبت عن النبي ﷺ.
3. **المواظبة على سورة معينة:**
– جائز بشرط عدم اعتقاد وجوبها.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.