في مشهد يختزل معاني المعاناة والصمود، غادرت السيدة “نجوى الزيادي” – التي عُرفت إعلاميًا بـ “سيدة نبروه” – مستشفى الطوارئ الجامعي بالمنصورة، حاملةً بين ضلوعها جراحًا لا تندمل. خروجها لم يكن مجرد نقلة من سرير العلاج إلى البيت، بل كان انتقالاً من غرفة العناية المركزة حيث كانت تواجه الموت، إلى ساحة الحياة حيث تواجه ذكرى فاجعة ستلازمها إلى الأبد.

من عالم الألم إلى مواجهة الفقدان
كانت رحلتها داخل المستشفى شاهدة على قوة إرادة الحياة. بدأت بدماء وصرخات في ليلة مروعة هزت مدينة نبروه بمحافظة الدقهلية، وانتهت بتنهد عميق بالنجاة، لكنه تنهد محمّل بأعباء لا تُحتمل.

لقد نجت جسدياً من هجمة شرسة طُعنت خلالها عدة مرات على يد من كان يُفترض أن يكون سندها وأمانها، لكن روحها خرجت من تلك المعركة مثقلة بحزن لا يُوصف، بعد أن فقدت فلذات أكبادها الثلاثة في جريمة أودت بحياة الأب أيضًا منتحراً. إنها تخطو اليوم نحو حياة جديدة، لكنها حياة تختلف كل الاختلاف عن تلك التي عرفتها من قبل.

كلمة واحدة هزّت الملايين: “كان”
وفي خطوة تعكس عمق حزنها ومدى صدمتها، فاجأت “نجوى” الجميع بعد ساعات قليلة فقط من خروجها من المستشفى. لم تنتظر التعليقات أو التحليلات، بل خاطبت العالم مباشرة من خلال “السوشيال ميديا”.
نشرت فيديو مؤثراً يجمع صوراً قديمة تجمعها بزوجها وأطفاله من زوجته السابقة، على أنغام أغنية “كان يا ما كان” الحزينة. لم تثرِ أو تلعن، بل كتبت كلمة واحدة فقط، كانت كفيلة بتحطيم قلوب الملايين: “كان”.
هذه الكلمة البسيطة في حروفها، العميقة في مدلولاتها، اختزلت عالمًا بأكمله من الذكريات والأحلام. لقد قالت كل شيء: كان لدي بيت، كان لدي أطفال، كان لدي حياة، كان لدي أمل.
والآن، لم يعد شيء من ذلك. هذا الفيديو لم يكن مجرد منشور، بل كان صرخة صامتة نقلت ألمها مباشرة إلى قلوب المصريين والعالم العربي، فتدفقت التعليقات بدموع وصلوات، وكلمات الدعم والتعاطف، في مشهد إنساني مؤثر.
المرحلة القادمة: بين عدالة الأرض ووجع الذاكرة
الطريق أمام “سيدة نبروه” لا يزال طويلاً وشاقاً. فبعد أن استردت عافيتها الجسدية، تستعد الآن لمواجهة اختبار آخر مؤلم، حيث من المقرر أن تدلي بأقوالها قريباً أمام النيابة.
ستجلس هناك لتحكي بنفسها فصول هذه المأساة التي هزت الدقهلية وتردد صداها في كل أنحاء العالم. ستكون شهادتها جزءاً أساسياً من تحقيق العدالة، لكنها في الوقت نفسه ستكون جولة أخرى في رحلة المواجهة مع الذكريات الأليمة.
خلود القصة.. درس في الألم والإنسانية
لا شك أن قصة “سيدة نبروه” ستبقى محفورة في ذاكرة المجتمع المصري والعربي كواحدة من أكثر القصص الإنسانية ألماً وتأثيراً. إنها ليست مجرد خبر صحفي عابر، بل أصبحت رمزاً للعنف الأسري المميت، ولقوة امرأة وقفت على حافة الهادم،
ونظرت إلى القاع، ثم اختارت أن تخطو إلى الأمام رغم كل شيء. قصتها تذكير مؤلم بالهشاشة التي يمكن أن تكمن خلف أبواب البيوت، وبقدرة الروح البشرية على النبض حتى في أقسى ظروف اليأس.





