إسلاميات

دار الإفتاء توضح حكم ممارسة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع الفرق بها

تعتبر كرة القدم من أكثر الأنشطة انتشاراً على مستوى العالم، مما يدفع الكثير من المسلمين للتساؤل عن حكم الشرع في ممارستها ومشاهدتها وتشجيع فرقها. يأتي هذا السؤال في سياط وجود أصوات تحرّم هذه الأنشطة بشكل مطلق، مما يخلق حيرة لدى الشباب الملتزم الذي يجمع بين حبه لهذه الرياضة وحرصه على اتبتع أوامر دينه.

الأصل في اللعب والترفيه: الإباحة والجواز

التفصيل: يُبنى الحكم في مثل هذه الأنشطة الرياضية والترفيهية على أصل أساسي في الشريعة الإسلامية، وهو الإباحة. فكل شيء في الحياة مباح ما لم يرد دليل يحرمه. الرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، تدخل في باب “اللهو المباح” الذي لا حرج فيه، بل قد يكون مطلوباً إذا حقق فوائد مثل:

  • تقوية الجسم: وهو ما يحقق الأمر النبوي بالتمكن والقوة.

  • ترويح النفس: فالنفس ملولة وتحتاج إلى فسحة من اللهو المباح لتعود إلى الواجبات بنشاط.

  • تعزيز القيم: مثل التعاون والعمل الجماعي والانضباط.

الخلاصة: لا يوجد في أصل ممارسة كرة القدم أو مشاهدتها ما يتعارض مع نصوص الشرع، بل هي داخلة في دائرة المباح التي وسعها الإسلام لأمته.

الضابط العام: “ألا يصحبها منهي عنه”

التفصيل: هذه العبارة تمثل القاعدة الذهبية التي تنظم ممارسة أي نشاط مباح. فالإباحة الأصلية قد تنتقل إلى الكراهة أو التحريم إذا اقترن بالنشاط أي محظور شرعي. وهذا ينطبق على كرة القدم بأنواعها (ممارسة، متابعة، تشجيع).

التطبيق: ممارسة كرة القدم مباحة ما لم تقترن بمخالفة شرعية (ككشف العورة، أو الإضرار بالآخرين عمداً). ومشاهدتها مباحة ما لم تشغل عن واجب. والتشجيع مباح ما لم يتحول إلى تعصب أعمى أو اعتداء.

الضوابط التفصيلية: حدود لا يجوز تخطيها

لضمان بقاء النشاط في دائرة المباح، يجب مراعاة جملة من الضوابط الهامة:

1. عدم تضييع الواجبات الشرعية والحياتية

  • الواجبات الدينية: لا يجوز أن تؤدي ممارسة أو متابعة كرة القدم إلى تضييع الصلوات في أوقاتها مع الجماعة، أو إهمال عبادة أخرى.

  • الواجبات الحياتية: لا يجوز أن تكون سبباً في إهمال العمل أو التقصير في الدراسة.

  • الواجبات الأسرية: لا يجوز أن تؤدي إلى تقصير في حق الزوجة أو الأبناء أو قطع صلة الرحم.

2. الالتزام بالمنافسة الشريفة والأخلاق الرياضية

  • احترام الخصم: يجب أن تظل المنافسة في إطار الرياضة والأخلاق، ويحرم تعمد الإضرار بالخصم أو إيذائه.

  • الالتزام باللوائح: يجب الالتزام بقوانين اللعبة المعترف بها، فذلك من باب الوفاء بالشروط والعقود.

3. تحريم الفحش والسب والتعصب المذموم

  • من اللاعبين: يحرّم على اللاعبين السب أو الشتم أو استخدام الإشارات البذيئة.

  • من الجمهور: يحرّم على المشجعين التحريض على العنف، أو شتم الخصوم، أو التعصب القبلي أو الإقليمي الذي يولد التباغض والتنافر، وهو ما حذر منه النبي ﷺ.

4. تجنب المظاهر والمخالفات الشرعية

  • كشف العورة: يجب على اللاعبين ارتداء ما يستر العورة الشرعية (من السرة إلى الركبة).

  • الاختلاط المحرم: يجب الفصل بين الجنسين في الملاعب والمشاهدات إذا أدى إلى الاختلاط المحرم.

  • المقامرة: يحرم ارتباط أي نشاط بكرة القدم بالمقامرة (المراهنات).

خاتمة: رياضة مباحة بضوابط مسؤولة

في الختام، يمكن القول إن ممارسة كرة القدم ومشاهدتها وتشجيع الفرق جائزة شرعاً، بل قد تكون من الأمور المحمودة إذا حققت فوائد بدنية ونفسية واجتماعية. لكن هذه الإباحة ليست مطلقة، بل هي مقيدة بعدم اقترانها بما يخالف الشرع.

فالمسلم مطالب بأن يكون متوازناً، يمارس هوايته دون أن تلهيه عن واجباته، ويشجع فريقه دون أن تدفعه إلى بغض المسلمين، ويلهو دون أن ينسى ذكر ربه. بهذه الضوابط تصبح الرياضة جزءاً من الحياة المتوازنة التي يريدها الإسلام للمسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى