كشف غموض مقتل أطفال دلجا في المنيا
ببراءة الطفولة، حمل الطفل “أحمد ناصر” أرغفة الخبز التي أعدتها زوجة أبيه، غير مدرك أنها كانت محملةً بالموت لا بالطعام. في مشهدٍ يناقض قسوته أي تصور، تحولت رغيف الخبز – رمز العيش والإعاشة في الريف المصري – إلى أداة إبادة في يد زوجة الأب، لتنهي حياة أطفالٍ ستة ووالدهم في جريمة هزت قرية دلجا بمحافظة المنيا إلى الأعماق.

كشف الغموض: البيان الرسمي يفك الشفرة
بعد 43 يومًا من المعاناة والغموض والأسئلة الملحة، أعلنت وزارة الداخلية كشف لغز الجريمة، مشيرة إلى توقيف الزوجة الثانية “هـ.ا.م” كمخطط ومنفذ للعملية.
وكشفت التحقيقات أن الدافع كان الغيرة العمياء بعد أن قرر الزوج إعادة زوجته الأولى (والدة الأطفال) إلى عصمته، فاختارت طريق الإجرام انتقامًا لحياتها الزوجية التي شعرت أنها تتهدد.
ليلة الجريمة: العشاء الذي تحول إلى كابوس
بدأت فصول المأساة في ليلة عادية من ليالي يوليو، حين اجتمعت الأسرة حول مائدة العشاء. لم تمض سوى دقائق حتى بدأت الأعراض الغامضة تظهر على الطفل الأصغر “عمر”، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى ديرمواس المركزي، حاملًا معه لغز وفاته.
في تسلسل مروع، لحقه شقيقاه “محمد” و”ريم”، ليدخل الأطباء في حيرة كبيرة وشخصوا الحالة في البداية خطأً على أنها “التهاب سحائي”، وهو ما نفته وزارة الصحة لاحقًا، ليتعمق الغموض.
الموت يضرب متتابعًا: أسرة تختفي واحدة تلو الأخرى
لم تتوقف حصيلة الموت عند هذا الحد، فلحق بهم الطفل “أحمد” نفسه، حامل الخبز المسموم. بينما نجا الطفلتان “فرحة” و”رحمة” في البداية وتم احتجازهما للعلاج في مستشفى صدر المنيا، إلا أن السم الغادر ظل يعمل في جسديهما الصغيرين،
لتنتهي حياتهما أيضًا في مشهدٍ مأساوي أنهى وجود الأسرة بالكامل. لم يتحمل الأب “ناصر” صدمة الفقد المتتالي، وسقط هو السابع، ليدفن بجوار أبنائه الستة في قبر جماعي كتب نهاية عائلة بكاملها.
التخبط الطبي والقضائي: الشكوك والأخطاء
خلال هذه الفترة، ساد التخبط المشهد. دارت الشكوك في كل اتجاه، حتى إن النيابة العامة أمرت بإيداع الأم (الزوجة الأولى) مستشفى الصحة النفسية لفترة due to تضارب أقوالها وتاريخها المرضي، قبل أن يثبت براءتها ويتم إخلاء سبيلها.
كشف اللغز العلمي: السم الخفي والطبيب البطل
لم يُكشف اللغز إلا بفضل جهود فريق طبي متخصص بقيادة الدكتور محمد إسماعيل، أستاذ السموم بكلية طب المنيا. بعد سلسلة من الفحوصات المعقدة، رجح الفريق الطبي أن الوفيات ناتجة عن تسمم بمبيد حشري نادر شديد السمية يعرف باسم “كلورفينابير”.
تميز هذا المركب الخطير بأنه لا يظهر في التحاليل التقليدية للدم، وأنه لا يوجد له ترياق معروف، مما يفسر سبب عجز الأطباء عن تشخيص الحالة أو إنقاذ الضحايا طوال تلك الأسابيع.
الاعتراف والنهاية: دوافع الغيرة والانتقام
مع تحديد نوع السم، ضاقت دائرة الشك حول زوجة الأب الثانية، التي انهارت واعترفت بكل التفاصيل. وضعت المادة السامة في العجين قبل خبزه، مُنفذةً مخططًا إجراميًا كان هدفه التخلص من الأسرة بأكملها بدافع الغيرة من عودة الزوجة الأولى.
واليوم، بينما تنتظر المتهمة قدرها في المحكمة، يبقى صوت عم الأطفال يطالب بالقصاص العاجل، ضمانًا وحيدًا لعدالة لن تعيد الأحبة، لكنها قد تمنع مأساة أخرى.





