قصة التوائم الثلاثة التي هـ,,ـزت العالم
تخيل للحظة أنك تكتشف فجأة أن كل ما عرفته عن نفسك وعن عائلتك كان كـ,,ـذبة كبرى. أنك لست الشخص الذي ظننت أنك عليه، وأن والديك ليسا والديك الحقيقيين، وأن لك إخوةً لم تكن تعلم بوجودهم. بل الأكثر صـ,,ـدمةً أن تدرك أن كل تفاصيل حياتك – منذ ولادتك – كانت جزءًا من تجربة علمية غريبة، راقبك خلالها العلماء كفأر مختبر، دون علمك أو موافقتك.
هذا الكـ,,ـابوس الذي قد يبدو كحبكة فيلم خيالي، كان واقعًا مـ,,ـريرًا عاشه ثلاثة توائم متطابقون من الولايات المتحدة الأمريكية: روبرت شافران، إدي غالان، وديفيد كيلمان. قصتهم المأسـ,,ـاوية تحولت إلى فيلم وثائقي بعنوان “ثلاثة غرباء متطابقون” (Three Identical Strangers)، والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان “ساندانس” السينمائي في يناير 2018، وكشف للعالم تجربةً علميةً غيـ,,ـر أخـ,,ـلاقية هـ,,ـزت المجتمع.
الفصل الأول: المصادفة التي كشفت المستور
في عام 1980، وفي يومه الأول بكلية “سوليفان” في نيويورك، دخل روبرت شافران (19 عامًا) إلى الحرم الجامعي ليجد نفسه محاطًا بتحيات حماسية من طلاب لا يعرفهم. أحدهم، ويدعى مايكل دومنيتز، اقترب منه بحماس قائلًا: “إدي!”، لكن روبرت رد بأنه ليس “إدي”. بعد لحظات من الحيرة، أدرك مايكل أن الشاب الذي أمامه يشبه إلى حدٍّ مذهل صديقه المقرب إدي غالان، لكنه بالتأكيد شخص آخر!
سأله مايكل على الفور: “هل ولدت في 12 يوليو 1961؟”. وعندما أجاب روبرت بنعم، صُـ,,ـدم مايكل وأخبره بأنه يعتقد أن لديه توأمًا. لم يصدق روبرت الأمر في البداية، لكنه اتصل بإدي، والتقى به ليكتشف أنهما فعلاً توأمان متطابقان!
الصدمة الأكبر: اكتشاف شقيق ثالث
بعد أن انتشرت قصة التوأمين الغريبة في الصحف، تلقى الاثنان اتصالًا من ديفيد كيلمان، الذي قال لهما ببساطة: “أعتقد أنني أخوكما الثالث!”. وهكذا، اجتمع الثلاثة ليكتشفوا أنهم توائم متطابقون، فُصلوا عند الولادة عام 1961، وتبنَّتهم عائلات مختلفة دون أن يعلم أحدهم بوجود الآخرين.
لكن القصة لم تكن مجرد “مصادفة سعيدة” كما ظنوا في البداية. فبعد البحث، اكتشفوا أنهم ضحـ,,ـايا **تجربة علمية سـ,,ـرية**، أجراها عالم النفس الأمريكي بيتر نويبارو بالتعاون مع وكالة تبني تدعى “لويس وايز”.
التجربة الشيـ,,ـطانية: الطبيعة أم التنشئة؟
كان الهدف من التجربة – وفقًا لوثائق كشفها الصحفيون – دراسة “أثر الجينات (الطبيعة) مقابل التربية (التنشئة)” على تطور الشخصية. تم فصل التوائم المتطابقين عمدًا ووضعهم في عائلات ذات مستويات اجتماعية واقتصادية مختلفة:
– روبرت تبَّنته عائلة من الطبقة المتوسطة.
– إدي نُشّئ في عائلة صارمة من الطبقة العاملة.
– ديفيد ذهب إلى عائلة ثرية ذات أبوين محبين.
طوال سنوات، تابع العلماء الثلاثة بدون علمهم أو علم عائلاتهم، حيث زاروا منازلهم، وأجروا اختبارات نفسية، ووثقوا كل تغيير في سلوكياتهم، من ذكائهم إلى أمـ,,ـراضهم النفـ,,ـسية، بل وحتى طريقة ضحكهم!
الجانب المظلم: عندما تدفع التوائم ثمن التجربة
عاش التوائم الثلاثة لحظات فرح بعد لم شملهم، حيث افتتحوا معًا مطعمًا ناجحًا، وظهروا في البرامج التلفزيونية، وأصبحوا مشهورين. لكن تحت السطح، كانت الصـ,,ـدمة النفسـ,,ـية تفتـ,,ـك بهم، خاصةً إدي، الذي عانى من اضطـ,,ـرابات نفسـ,,ـية حـ,,ـادة، وانتهى به المطاف إلى **الانتـ,,ـحـ,,ـار** في سن الـ 33.
أما روبرت وديفيد، فما زالا حتى اليوم يطالبان بـ:
1. الكشف عن جميع وثائق التجربة، والتي ما تزال بعضها سريًا.
2. اعتذار رسمي من المؤسسات المسؤولة.
3. تعويض مالي عن المعـ,,ـاناة التي عاشوها.
هل كانت هذه التجربة فريدة؟
كشف التحقيق أن نويبارو أجرى دراسات مماثلة على عشرات التوائم الآخرين، الذين ربما لا يزالون حتى اليوم يجهلون حقيقة وجود إخوة لهم. والأسوأ أن بعض العائلات المتبنية تعرضت لخـ,,ـداع كبير، حيث لم يُخبروا بأن أطفالهم جزء من تجربة، أو أن لهم إخوةً في مكان آخر.
الفيلم الوثائقي: شهادة على فشل الأخـ,,ـلاق العلمية
الفيلم الوثائقي **”ثلاثة غرباء متطابقون”** لا يروي قصة التوائم فحسب، بل يطرح أسئلةً أخلاقيةً عميقة:
– أين هو **الحد الفاصل** بين التقدم العلمي وحقوق الإنسان؟
– هل تُبرر **النتائج العلمية** التـ,,ـلاعب بحياة البشر؟
– ما تأثير مثل هذه الصـ,,ـدمات على **الهوية الشخصية** والثقة في المجتمع؟
الخاتمة: جـ,,ـرح لا يندمل
قصة التوائم الثلاثة ليست مجرد **فضيـ,,ـحة علمية**، بل مأسـ,,ـاة إنسانية تظهر كيف يمكن للعلم أن يفقد إنسانيته عندما يُستخدم كأداة للعبث بمصائر الناس. رغم مرور السنوات، لا يزال **روبرت** و**ديفيد** يحاولان استعادة جزء من كرامتهما، بينما يرقد **إدي** في قبـ,,ـره، ضحيـ,,ـةً لتجربة لم يخترها.