إسلاميات

عين الميت المفتوحة والدموع وماذا يرى اﻹنسان عند الاحتضار

يشغل موضوع الموت وخاتمة الإنسان بال الكثيرين، ومن بين الظواهر التي تثير التساؤلات دموع العين التي قد تظهر عند الاحتضار. والحقيقة أنه لا يوجد حديث ثابت في هذا الشأن، مما فتح الباب أمام اجتهادات العلماء لبيان أسباب هذه الظاهرة، والتي تتراوح بين التفسير الطبيعي والمعاني الغيبية، في محاولة لفك لغز تلك اللحظة المصيرية.

حقيقة دموع العين عند الاحتضار:

أجمع الفقهاء على أن خروج دمعة من عين الميت ليس علامة على سوء الخاتمة. ويرجع ذلك إلى عدة تفسيرات:

  • أسباب طبيعية: قد تكون الدمعة موجودة في العين قبل الوفاة ثم تخرج بعدها، أو قد تكون مجرد رد فعل طبيعي للجسد كأي إفراز آخر يخرج منه بعد الموت.

  • انقطاع الإحساس: الميت لا يشعر بمن حوله ولا يقدر على البكاء أو الضحك؛ لأنه قد فارق الحياة، وما يظهر منه هو مجرد آثار جسدية محضة.

  • اجتهادات تفسيرية: اجتهد بعض العلماء في تفسير هذه الدموع قبل الوفاة، فمنهم من رأى أنها قد تكون due to آلام سكرات الموت، أو بسبب ما يراه المحتضر من مشاهد تهويلية تسبق الانتقال إلى الحياة الآخرة.

المشهد القرآني: حال الكافر عند سكرات الموت:

يصور القرآن الكريم مشهد قبض روح الكافر في عدة مواضع، تصويرًا يبعث على الخشية والاعتبار:

  • الضرب والإهانة: قال تعالى: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ} [الأنفال: 50]. فهذا المشهد يظهر الإذلال والعذاب الذي يلاقيه الكافر عند خروج روحه.

  • الاستسلام المتأخر: يقول تعالى عن المشركين: {ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ ظَالِمِىٓ أَنفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا۟ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوٓءٍ ۚ بَلَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ فَٱدْخُلُوٓا۟ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ} [النحل: 28-29]. إن إلقاء السلم (أي الاستسلام) في هذه اللحظة لا ينفع، بعد أن أعرضوا عن الحق في الدنيا.

صنفان من الناس عند الموت:

يؤكد الدكتور مبروك عطية على وجود صنفين من البشر عند خروج الأرواح، كما جاء في القرآن:

  1. الأول: الأتقياء الصالحون: {ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]. هم يبشرون بالجنة والرضوان.

  2. الثاني: الظالمون الكافرون: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [محمد: 27]. وهذا أشد أنواع العذاب، حيث يواجهون الضرب والإهانة من الملائكة.

حال الصالح والطالح أثناء الاحتضار:

يختلف حال المحتضر بحسب عمله:

  • حال الصالح: يبشره ملك الموت بصورة حسنة، ويُريه منزلته في الجنة، وتقول له الملائكة: “يا أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان”. كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وابن ماجة: “الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل صالحًا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب… وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان”.

  • حال العاصي: يرى ملك الموت بصورة مفزعة، ويبشره بسخط الله، وتقول له الملائكة: “اخرجي أيتها النفس الخبيثة…” كما في نفس الحديث: “وأبشري بحميم وغساق”، فلا يزال يبشر بعذاب الله حتى تخرج روحه.

مكفرات الذنوب: باب الأمل والتوبة:

يفتح الله تعالى أبواب التوبة والمغفرة على مصراعيها للمؤمن، ومن هذه المكفرات:

  1. الصلاة في وقتها: قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ غَدَا إلَى المَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ الله لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ” (متفق عليه).

  2. إسباغ الوضوء مع الصبر: قال صلى الله عليه وسلم: “إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ” (أخرجه مسلم).

  3. الاستغفار: قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: 135].

  4. الصدقة: قال صلى الله عليه وسلم: “الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ” (رواه الترمذي).

  5. الصيام: قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (متفق عليه).

  6. العفو والتسامح: قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

خاتمة: العبرة والعظة:

إن التفكر في سكرات الموت وأحوال الخاتمة يجب أن يكون دافعًا للأعمال الصالحة، والتوبة النصوح، والمسارعة في الخيرات. فالمؤمن الحكيم هو من يستعد لتلك اللحظة بالعمل الصالح، ويغتنم فرصة الحياة في طاعة الله، ويتذكر دائمًا أن “رسالة الموت إلينا إلى كل حي هي: اعلم أني آتيك”. فليكن شغلنا الشاغل هو حسن الاستعداد لهذا اللقاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى