صحة

طنين الأذن المستمر

طنين الأذن هو حالة صحية يُوصف فيها الشخص بسماع أصوات داخلية غير نابعة من مصدر خارجي، مثل رنين، أو صفير، أو أزيز، أو ضوضاء أخرى، في أذن واحدة أو كلتاهما.

هذه الأصوات قد تكون متقطعة أو مستمرة، وقد تختلف في حدتها وطبيعتها من شخص لآخر. غالبًا ما يتداخل هذا الطنين مع قدرة الفرد على التركيز أو سماع الأصوات الخارجية المحيطة به بشكل طبيعي، مما قد يؤثر على جودة الحياة.

يتساءل الكثيرون عن أسباب استمرار هذا الطنين والطرق الفعالة لعلاجه. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل الأسباب المحتملة، طرق التشخيص، والخيارات العلاجية المتاحة، بالإضافة إلى إجابات على الأسئلة الشائعة حول هذه الحالة.

أسباب طنين الأذن المستمر

يمكن أن ينشأ طنين الأذن الدائم من عدة عوامل وأمراض كامنة. فيما يلي تفصيل لأهم هذه الأسباب:

1. ضعف السمع المرتبط بالعمر (Presbycusis)

يعتبر تقدم العمر أحد الأسباب الشائعة. مع التقدم في السن، تتعرض الخلايا الحسية والشعيرات الدقيقة الموجودة في القوقعة (جزء الأذن الداخلية المسؤول عن السمع) للتلف أو الانحناء أو الكسر تدريجيًا.

هذا التلف يؤدي إلى خلل في نقل الإشارات الصوتية عبر العصب السمعي إلى الدماغ. نتيجة لهذا الخلل، يبدأ الدماغ في تفسير إشارات غير طبيعية على شكل ضجيج أو صفير، وهو ما نعرفه بالطنين. عادةً ما يصيب هذا النوع كبار السن وقد يكون مصحوبًا بضعف تدريجي في السمع.

2. التعرض للضجيج المستمر

يُعد التعرّض الطويل أو المتكرر للأصوات العالية أحد أكثر مسببات طنين الأذن شيوعًا. يمكن أن يتسبب هذا الضجيج في تلف دائم وغير قابل للإصلاح للشعيرات الحسية في القوقعة، مما يؤدي ليس فقط إلى الطنين، بل أيضًا إلى فقدان السمع الدائم.

تزداد الخطورة في المهن التي يتعرض فيها العاملون لمستويات عالية من الضوضاء بشكل روتيني، مثل:

  • النجارة: بسبب استخدام المناشير والمعدات الكهربائية.

  • مجال الموسيقى والغناء: خاصة للموسيقيين والعاملين بالقرب من مكبرات الصوت.

  • العمل في المطارات أو مع الطائرات.

  • أعمال صيانة الطرق والمرافق العامة: التي تشمل استخدام المعدات الثقيلة.

  • البناء والتشييد.

3. التعرض لإصابة في الرأس أو العنق

قد تؤدي الإصابات الرضحية في الرأس أو الرقبة إلى التأثير على الأذن الداخلية، أو العصب السمعي، أو وظائف الدماغ المرتبطة بالسمع. في مثل هذه الحالات، غالبًا ما يظهر الطنين في أذن واحدة فقط ويكون مرتبطًا بالحادث.

4. التهاب الأذن أو الانسداد

يمكن أن يؤدي التهاب الأذن الوسطى أو تراكم شمع الأذن بكميات كبيرة إلى انسداد قناة الأذن. هذا الانسداد يتسبب في تغير ضغط الأذن الوسطى ويمنع وصول الموجات الصوتية بشكل سليم. نتيجة لذلك، قد يعاني الشخص من طنين مؤقت أو حتى دائم إذا تُرك الالتهاب أو الانسداد دون علاج.

5. كأثر جانبي لبعض الأدوية

يُمكن أن يظهر طنين الأذن كعرض غير مرغوب فيه لعدد من الأدوية، ويُسمى حينها “طنينًا دوائيًا”. تشمل هذه الأدوية:

  • الأسبرين: خاصة عند تناوله بجرعات عالية.

  • مضادات الالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) مثل الإيبوبروفين والنابروكسين.

  • بعض أنواع المضادات الحيوية.

  • أدوية علاج الملاريا.

  • بعض أنواع مضادات الاكتئاب.

  • أدوية العلاج الكيميائي للسرطان.

  • بعض مدرات البول.

6. أسباب أخرى

هناك العديد من الحالات الصحية التي يمكن أن يكون الطنين أحد أعراضها:

  • داء مينيير: وهو اضطراب في الأذن الداخلية قد يكون الطنين علامة تحذيرية مبكرة لحدوث نوبة دوار.

  • تصلب الأذن (Otosclerosis): حالة تؤدي إلى تصلب عظام الأذن الوسطى، مما يؤثر على السمع.

  • اضطرابات الأوعية الدموية: مثل ارتفاع ضغط الدم، تصلب الشرايين، أو تشوهات الأوعية الدموية التي يمكن أن تسبب طنينًا نابضًا متزامنًا مع دقات القلب.

  • أورام العصب السمعي (الورم الشفاني الدهليزي) أو أورام الرأس والرقبة.

  • تشنجات عضلية داخل الأذن الوسطى أو في المنطقة المحيطة بها.

  • اضطرابات المفصل الفكي الصدغي (TMJ): حيث يؤثر الخلل في هذا المفصل القريب من الأذن على السمع.

  • حالات صحية مزمنة أخرى: مثل مرض السكري، اضطرابات الغدة الدرقية (فرط أو قصور النشاط)، الصداع النصفي، وأمراض المناعة الذاتية التي قد تصيب الأذن.

تشخيص طنين الأذن المستمر

يعتمد الطبيب في تشخيص سبب طنين الأذن على مجموعة من الخطوات للوصول إلى التشخيص الدقيق:

  1. الفحص البدني والشامل: يبدأ الطبيب بفحص دقيق للأذنين والرأس والرقبة. قد يطلب منك القيام بحركات معينة مثل تحريك عينيك أو إطباق فكك، ليراقب إذا كانت هذه الحركات تغير من طبيعة الطنين أو تحفزه.

  2. فحص السمع (قياس السمع Audiometry): يجلس المريض في غرفة عازلة للصوت ويرتدي سماعات. يعرض أخصائي السمع نغمات وأصواتًا بترددات ودرجات شدة مختلفة، ويقوم المريض بالإشارة عند سماعها. يساعد هذا الفحص في تحديد درجة فقدان السمع وعلاقته بالطنين.

  3. الفحوصات المخبرية: قد يطلب الطبيب تحاليل دم، على سبيل المثال، للكشف عن حالات مثل فقر الدم أو اضطرابات الغدة الدرقية أو نقص بعض الفيتامينات التي قد تكون مرتبطة بالطنين.

  4. الفحوصات التصويرية: في بعض الحالات، قد تكون هناك حاجة لإجراء فحوصات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي المحوسب (CT) للرأس، خاصة إذا اشتبه الطبيب في وجود مشكلة هيكلية أو ورم (مثل الورم الشفاني الدهليزي).

علاج طنين الأذن المستمر

الطريقة المثلى للتعامل مع طنين الأذن تعتمد بشكل أساسي على علاج السبب الكامن وراءه:

  • العلاج السببي: إذا تم تحديد سبب معين، فإن علاجه غالبًا ما يخفف أو يزيل الطنين. على سبيل المثال:

    • إزالة انسداد شمع الأذن.

    • علاج التهابات الأذن بالمضادات الحيوية المناسبة.

    • تغيير الدواء المسبب للطنين بعد استشارة الطبيب.

    • السيطرة على الحالات المرضية المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري.

عندما لا يمكن تحديد سبب واضح، أو عندما يكون الطنين ناتجًا عن تلف دائم في الخلايا السمعية، فإن العلاج يتركز على إدارة الأعراض والتأقلم معها. من هذه الخيارات:

  1. الأجهزة المساعدة على السمع: للمرضى الذين يعانون من الطنين مصحوبًا بفقدان السمع، فإن المعينات السمعية تُعد حلاً فعالًا. فهي تُضخم الأصوات الخارجية، مما يجعل الطنين أقل وضوحًا ويسهل على المريض التركيز على الأصوات المحيطة.

  2. أجهزة إخفاء أو حجب الطنين (Sound Masking Devices): تشبه المعينات السمعية وتُصدر صوتًا هادئًا ومستمرًا (مثل صوت الأمواج أو الضوضاء البيضاء) يساعد على “تغطية” صوت الطنين أو صرفه عن الانتباه.

  3. معالجة الطنين بإعادة التدريب (Tinnitus Retraining Therapy – TRT): هذا برنامج علاجي طويل الأمد يجمع بين الاستشارة النفسية واستخدام جهاز يُصدر صوتًا خلفيًا هادئًا. الهدف هو مساعدة الدماغ على “التعود” على صوت الطنين حتى يصبح غير ملحوظ أو أقل إزعاجًا.

  4. العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT): لا يهدف هذا العلاج إلى إزالة صوت الطنين، بل إلى تغيير استجابة المريض النفسية والعاطفية له. يساعد المعالج المريض على تطوير استراتيجيات للتعايش مع الطنين وتقليل مشاعر القلق والاكتئاب والضيق المرتبطة به.

أسئلة شائعة حول طنين الأذن

هل الضغط النفسي يُسبب طنين الأذن؟

لا يُعتبر الضغط النفسي سببًا مباشرًا لظهور طنين الأذن في معظم الحالات. ولكنه يُعد عاملًا مهمًا في تفاقمه. حيث يمكن أن يؤدي التوتر والقلق إلى زيادة حدة الإحساس بالطنين وصعوبة تجاهله.

والعكس صحيح، فاستمرار الطنين المزعج بحد ذاته قد يؤدي إلى زيادة مستويات القلق والتوتر لدى الشخص، مما يُشكل حلقة مفرغة.

متى يستدعي طنين الأذن مراجعة الطبيب؟

يُنصح بمراجعة طبيب الأنف والأذن والحنجرة في الحالات التالية:

  • إذا ظهر الطنين بشكل مفاجئ دون سبب واضح.

  • إذا كان الطنين مصاحبًا لفقدان السمع أو الدوخة (الدوار) والغثيان.

  • إذا صاحب الطنين ألم في الأذن أو إفرازات أو نزول سائل منها.

  • إذا كان الطنين يؤثر سلبًا على حياتك اليومية، مثل منعك من النوم، أو التركيز في العمل، أو التسبب في ضائقة نفسية شديدة.

  • إذا كان الطنين يصدر بنمط نابض (مثل دقات القلب).

هل طنين الأذن خطير؟

في الغالبية العظمى من الحالات، لا يُعد طنين الأذن في ذاته مرضًا خطيرًا مهددًا للحياة. لكنه عَرض مزعج قد يشير إلى مشكلة صحية كامنة تحتاج للعلاج.

الأهم من ذلك، أن إهمال التعامل مع الطنين المستمر والشديد يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة، مثل:

  • الإرهاق المزمن.

  • اضطرابات النوم (الأرق).

  • صعوبات في التركيز والذاكرة.

  • مشاكل في التواصل الاجتماعي والمهني.

  • تطور حالات من القلق والاكتئاب.

  • العصبية وتقلب المزاج.

الخلاصة هي أن طنين الأذن المستمر يحتاج إلى تقييم طبي لاستبعاد الأسباب الخطيرة ومعرفة السبب، كما أن التعامل المبكر معه يساعد في منع تدهور الحالة النفسية وتحسين التعايش معه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى