الكُمأة أو الفقع (بالإنجليزية: Truffles) هو ليس مجرد فطر عادي، بل هو تحفة طبيعية نادرة تنمو في صمت تحت سطح الأرض. يُعتبر من أغلى الأطعمة في العالم، ليس فقط لمذاقه الفريد، بل لصعوبة الحصول عليه وأسرار نموه الغامضة.
ينمو الفقع في علاقة تعايشية مع جذور أشجار معينة مثل البلوط والزان والبندق، حيث يقوم بتبادل المغذيات معها في علاقة تبادل منفعة لا تزال تثير إعجاب العلماء.
محتــويات المقــال
الكنز المدفون: لماذا يبلغ الفقع هذه الأسعار الفلكية؟
يُلقب الفقع بـ”الألماس الأسود” في الطهي لأسباب وجيهة تجعل سعره يتجاوز ذهباً في كثير من الأحيان:
-
النمو البري والعشوائي: لم يتمكن البشر حتى اليوم من زراعة الفقع تجارياً بنجاح مضمون. فهو ينمو برياً في ظروف مناخية وتربة محددة جداً يصعب تكرارها.
-
موسم الحصاد القصير: لا يتعدى موسم نمو وجمع معظم أنواع الفقع 3 أشهر في السنة، مما يزيد من ندرته.
-
صعوبة الجمع: لا يمكن جمعه بالوسائل التقليدية. يتم استخدام كلاب أو خنازير مدربة لاكتشاف رائحته النفاذة الفريدة تحت الأرض.
-
قصر عمره الافتراضي: بمجرد إخراجه من التربة، يبدأ الفقع بفقدان نكهته ورائحته بسرعة، مما يستدعي بيعه واستهلاكه خلال أيام قليلة.
-
إضافة حصرية: أضف إلى ذلك تكاليف الصيد الباهظة، والتي تشمل تأجير الكلاب المدربة ذات الحاسة الشمية الاستثنائية، ودفع رواد الغابات المطلعين على الأماكن المحتملة لنموه، وتكاليف الشحن السريع والمبرد للحفاظ على طزاجته.
أنواع الكمأ: من الأبيض الملوكي إلى الأسود الفاخر
ليس كل الفقع متشابهاً. تختلف قيمته وشكله وطعمه بشكل كبير حسب نوعه:
-
الفقع الأبيض (من بييمونت الإيطالية): هو “ملك الكمأ” والأغلى سعراً على الإطلاق. يتميز برائحة قوية ومعقدة تشبه الجبن مع رائحة الأرض.
-
الفقع الأسود (من بيريغورد الفرنسية): يعتبر “الأمير الأسود” وهو الأكثر شيوعاً. نكهته أكثر دقة من الأبيض، مع ملاحظة ترابية وجوزية.
-
فقع الصيف: هو نسخة أقل تكلفة من الفقع الأسود، بنكهة أخف تناسب المبتدئين.
الفوائد الصحية: أكثر من مجرد نكهة فاخرة
وراء المذاق الراقي، يخفي الفقع كنزاً من الفوائد الغذائية:
-
مضادات الأكسدة القوية: يحتوي على نسبة عالية من فيتامين ج ومركبات البوليفينول الأخرى التي تحارب الالتهابات والشيخوخة الخلوية.
-
مصدر نباتي ممتاز للبروتين: تصل نسبة البروتين فيه إلى 20-30%، مما يجعله بديلاً رائعاً للبروتين الحيواني، خاصة للنباتيين.
-
دعم جهاز المناعة: أظهرت دراسات معملية أن مستخلصات الفقع تحتوي على مركبات مضادة للميكروبات يمكنها تثبيط نمو بكتيريا خطيرة مثل المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus Aureus).
-
صحة الجهاز الهضمي: غني بالألياف التي تغذي البكتيريا النافعة في الأمعاء وتحسن عملية الهضم.
-
إضافة حصرية – سر الرائحة: المركب العضوي الأندروستينول (Androstenol) المسؤول عن الرائحة المميزة للفقع، هو نفسه الفيرومون الذي تفرزه الخنازير البرية أثناء التزاوج. هذا يفسر لماذا تكون الخنازير بارعة جداً في العثور عليه! كما تشير بعض الأبحاث إلى أن هذا المركب قد يكون له تأثير محفز للمزاج عند البشر.
دليل الذواقة: كيف تستمتع بالفقع دون أن تفلس؟
للاستمتاع بهذه التجربة الفاخرة دون الإضرار بميزانيتك، اتبع هذه النصائح:
-
الشراء الذكي: ابحث عن الفقع الطازج والملمس الممتلئ والصلب. تجنب الثمار الطرية أو الذابلة.
-
التخزين الصحيح: لف كل حبة فقع في منشفة ورقية وضعه في وعاء محكم في الثلاجة. غيّر المناشف الورقية يومياً. لا تخزنه لأكثر من أسبوع.
-
استخدم القليل: بسبب قوة نكهته، شرائح رفيعة جداً تكفي لإضفاء نكهة غنية على طبق كامل.
-
الاستخدام الأمثل: أضفه في اللحظات الأخيرة من الطهي أو وهو ساخن على المائدة، لأن الحرارة العالية تدمر نكهته الدقيقة.
-
بدائل ذكية: زيت الكمأ (شريطة أن يكون حقيقياً ويحتوي على قطع كمأ داخله) أو معجون الكمأ يمكن أن يكونا بديلين اقتصاديين لإضفاء نكهة مشابهة.
-
إضافة حصرية – احذر الغش: إذا رأيت بيتزا أو طبقاً رخيصاً مغطى بشرائح “فقع”، فغالباً ما تكون فطر عادي مُنكّه صناعياً. الفقع الحقيقي لا يستخدم بهذه البذخ في الأطباق غير المكلفة.
وصفة حصرية وسهلة: “ريسوتو الكمأ الأسود” المنزلي
-
المقادير: 1 كوب أرز أربوريو، ½ لتر مرق دجاج أو خضار، 1 بصلة صغيرة مفرومة ناعماً، ½ كوب نبيذ أبيض جاف، 40 غرام جبن بارميجانو ريجيانو مبشور، 10 غرام من الفقع الأسود الطازج، 2 ملعقة كبيرة زبدة.
-
الطريقة:
-
حمري البصل في الزبدة حتى يذبل.
-
أضيفي الأرز وقلبيه لدقيقتين.
-
صبي النبيذ واتركيه يتبخر.
-
أضيفي المرق ساخناً تدريجياً مع التحريك حتى يمتص الأرز السائل.
-
عندما ينضج الأرز، أبعده عن النار وحركه مع الجبن والباقي من الزبدة.
-
قبل التقديم مباشرة، قشري شرائح رفيعة جداً من الفقع الطازج فوق الريسوتو الساخن. الحرارة ستطلق رائحته السماوية!
-
الكمأ هو أكثر من مجرد طعام؛ هو رحلة حسية إلى أحشاء الأرض، حيث تلتقي القيمة الغذائية بالنكهة الأسطورية. إن تذوقه هو استثمار في تجربة لا تُنسى، تروي قصة عن تعقيد الطبيعة وروعة التنوع البيولوجي.





