لا يقتصر دور البول كمؤشر صحي على لونه فقط، بل تمتد أهميته لتشمل رائحته التي يمكن أن تكون إنذاراً مبكراً للعديد من الحالات الصحية. فالبول الطبيعي يتميز برائحة مميزة خفيفة يسهل التعرف عليها، ولكن عندما تتغير هذه الرائحة بشكل ملحوظ وتصبح غريبة أو كريهة، فإنها تتحول إلى رسالة من الجسم تستدعي الانتباه لفهم السبب الكامن وراءها.
محتــويات المقــال
الأسباب الصحية وراء تغير رائحة البول
يمكن أن تشير الروائح غير المعتادة للبول إلى مجموعة متنوعة من الحالات الطبية، منها:
1. مرض السكري: الرائحة “الفاكهية” أو “الحلوة”
عندما ترتفع مستويات السكر في الدم بشكل كبير، تحاول الكليتان التخلص من الكميات الفائضة عبر البول، في عملية تسمى “إفراز السكر في البول”.
هذا يؤدي إلى ظهور رائحة حلوة أو شبيهة برائحة الفاكهة. إذا صاحبت هذه الرائحة أعراض أخرى مثل العطش الشديد وكثرة التبول، فقد تكون مؤشراً قوياً على الإصابة بمرض السكري، مما يستدعي مراجعة الطبيب فوراً لإجراء الفحوصات اللازمة.
2. عدوى المسالك البولية: رائحة “الأمونيا” أو “النتانة” القوية
تعد رائحة الأمونيا النفاذة أو الرائحة الكريهة الشبيهة بالتعفن من العلامات الكلاسيكية لعدوى المسالك البولية.
تنتج هذه الرائحة عن تكاثر البكتيريا في المثانة أو مجرى البول، والتي تطلق مواد كيميائية ذات روائح قوية. غالباً ما تصاحب هذه الرائحة أعراض أخرى مثل الشعور بحرقة أثناء التبول، وتغير لون البول إلى العكر، أو حتى ظهور دم فيه.
3. الجفاف: الرائحة “القوية” واللون “الداكن”
عندما لا يشرب الشخص كميات كافية من الماء، يصبح البول مركزاً بشكل كبير. هذا التركيز العالي للشوائب والفضلات (مثل اليوريا) يمنحه رائحة قوية ونفاذة ولوناً داكناً.
يعتبر هذا المؤشر بمثابة تنبيه من الجسم بضرورة تعويض السوائل. عادةً ما تختفي هذه الرائحة ويعود البول إلى وضعه الطبيعي بمجرد الانتظام في شرب كميات كافية من الماء.
4. الناسور المعوي المثاني: الرائحة “البرازية” أو “الكريهة جداً”
هي حالة طبية نادرة وخطيرة، حيث يتكون اتصال غير طبيعي (ناسور) بين الأمعاء والمثانة. يسمح هذا الاتصال بتسرب محتويات الأمعاء، بما فيها البكتيريا والبراز، إلى المثانة.
نتيجة لذلك، تكتسب رائحة البول رائحة برازية كريهة جداً، وقد يلاحظ الشخص وجود جزيئات من البراز في البول. هذه الحالة تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً.
5. متلازمة رائحة السمك: الرائحة “السمكية” المستمرة
هو اضطراب أيضي وراثي نادر، حيث يكون الجسم غير قادر على تحطيم مركب كيميائي يسمى “ثلاثي ميثيل الأمين” due to a missing enzyme. نتيجة لذلك،
يتراكم هذا المركب في الجسم ويتم إفرازه عبر البول والعرق والنفس، حاملاً معه رائحة كريهة تشبه رائحة السمك المتعفن أو البيض الفاسد. الجدير بالذكر أن هذه الرائحة تكون مستديمة ولا تختفي بالاستحمام، وهي حالة تنتقل بالوراثة.
6. النظام الغذائي: روائح “مؤقتة” مرتبطة بالطعام
يمكن لبعض الأطعمة ذات الروائح النفاذة أن تغير رائحة البول بشكل مؤقت. من أبرز هذه الأطعمة:
-
الهليون: هو أشهر مسبب معروف، حيث يؤدي إلى إفراز حمض الهليون، الذي يعطي البول رائحة كبريتية قوية تشمل رائحة البيض الفاسد أو الملفوف.
-
الثوم والبصل والتوابل القوية: يمكن أن تطلق مركبات كبريتية أثناء هضمها تظهر لاحقاً في رائحة البول.
هذه التغيرات طبيعية تماماً وتزول من تلقاء نفسها بعد هضم الطعام وخروجه من الجسم.
7. الأدوية والمكملات الغذائية: تأثيرات “جانبية” شائعة
تعد رائحة البول الكريهة أحد الآثار الجانبية المعروفة للعديد من الأدوية، مثل بعض المضادات الحيوية (مثل البنسلين) وأدوية العلاج الكيميائي. كما أن المكملات الغذائية، وخاصة تلك التي تحتوي على فيتامينات ب (مثل B6)، يمكن أن تمنح البول رائحة قوية ولوناً أصفر فاتحاً. عادةً ما يذكر النشرة الدوائية هذه الأعراض، وهي تزول بعد التوقف عن تناول الدواء.
تغير رائحة البول عند النساء: أسباب إضافية فريدة
بالإضافة إلى الأسباب العامة، تتعرض النساء لتغيرات في رائحة البول بسبب التركيبة التشريحية والتغيرات الهرمونية:
-
التهابات المهبل: نظراً لقرب فتحة البول من المهبل، يمكن أن تؤثر الإفرازات الناتجة عن العدوى المهبلية (مثل عدوى الخميرة أو التهاب المهبل البكتيري) بشكل مباشر على رائحة البول، مما يمنحها رائحة كريهة أو مريباً.
-
التغيرات الهرمونية: خلال فترتي التبويض والحمل، تتسبب التقلبات الهرمونية في تغير رائحة البول، حيث قد تصبح رائحة الأمونيا أكثر وضوحاً.
-
اختلال توازن درجة الحموضة (pH) في المهبل: أي خلل في البيئة الحمضية الطبيعية للمهبل يمكن أن يسمح بنمو البكتيريا الضارة، مما ينعكس سلباً على رائحة البول.
-
استخدام منتجات النظافة المهبلية الكيميائية: يمكن للدش المهبلي أو الصابون المعطر أن يخل بالتوازن البكتيري الطبيعي، مسبباً نمو بكتيريا ضارة تؤدي إلى انبعاث روائح كريهة.
متى يجب استشارة الطبيب؟
ليس كل تغير في الرائحة مدعاة للقلق، ولكن يجب التماس العناية الطبية إذا صاحبت الرائحة الغريبة أي من الأعراض التالية:
-
ألم أو حرقان أثناء التبول.
-
ظهور دم في البول.
-
ألم في الظهر أو الحوض.
-
حمى أو قشعريرة.
-
تغير في لون البول يستمر لأكثر من يوم.
-
الشعور برغبة ملحة ومستمرة في التبول.
في النهاية، يعتبر البول مرآة تعكس حالة الجسم الداخلية. فهم لغة هذه الإشارات، من لون ورائحة، يمنحك القدرة على اكتشاف المشكلات الصحية في مراحلها المبكرة والاستجابة لها بشكل مناسب.





