في بيان صادم، أعلنت الحكومة الموريتانية، يوم الأربعاء، عن وفاة 36 مواطنًا نتيجة تفشي مرضين وبائيين في وقت واحد، هما الدفتيريا وحمى الوادي المتصدع.
وجاء هذا الإعلان خلال مؤتمر صحفي عقده الناطق الرسمي باسم الحكومة، الوزير ماء العينين ولد أييه، في العاصمة نواكشوط، حيث كشف النقاب عن الأبعاد المأساوية لهذه الموجة الوبائية.
تفصيل الحصيلة: دفتيريا وحمى الوادي المتصدع
أوضح الناطق الرسمي للحكومة التفاصيل الدقيقة للضحايا، مشيرًا إلى أن الحصيلة تنقسم على النحو التالي:
-
وباء الدفتيريا: تسبب في وفاة 23 شخصًا.
-
حمى الوادي المتصدع: أدت إلى وفاة 13 شخصًا.
كما قدم الوزير ولد أييه أحدث بيانات الإصابات المؤكدة، حيث أعلن أن المصالح الطبية المختصة سجلت:
-
436 حالة إصابة بمرض الدفتيريا.
-
36 إصابة مؤكدة بمرض حمى الوادي المتصدع.
انحسار الموجة وتحذيرات من التراخي
على الرغم من هذه الأرقام المقلقة، حاول المسؤول طمأنة الرأي العام بالإشارة إلى أن كلا المرضين يدخلان “مرحلة الانحسار”، مما يشير إلى نجاعة الإجراءات التي اتخذتها السلطات الصحية.
غير أنه شدد في الوقت ذاته على أن هذا الانحسار “لا يجب أن يكون سببا في التفريط في الإجراءات الاحترازية”، داعيًا المواطنين إلى ضرورة الاستمرار في اليقظة واتباع إرشادات الوقاية، لأن التراخي قد يؤدي إلى عودة ظهور المرضين بقوة.
خلفية عن تفشي الدفتيريا: بؤر جغرافية وحملات تلقيح
يعود ظهور مرض الدفتيريا المعدي في موريتانيا إلى فترة سابقة، حيث شهدت ولايتا الحوضين والعصابة (في جنوب شرق البلاد) موجة إصابات جديدة أودت بحياة 15 شخصًا على الأقل، وأصابت أكثر من 200 آخرين. وقد جاء هذا التفشي ليذكر بمخاطر هذا المرض الذي يمكن الوقاية منه باللقاحات.
وردًا على ذلك، أكدت وزارة الصحة الموريتانية أن الجهود المبذولة آتت أكلها، حيث إن المرض أصبح “تحت السيطرة ومحصورًا في مناطق محددة”. كما أشارت الوزارة إلى أن آخر حالة تم تسجيلها كانت منذ أيام فقط، وأن حملات التلقيح مستمرة بشكل نشط لاحتواء التفشي ومنع انتشاره إلى مناطق جديدة.
واختتمت الوزارة تصريحاتها بنبرة مطمئنة، مؤكدة أنه “لا داعي لأي إنذار صحي” عام في هذه المرحلة، مما يعكس ثقة السلطات في قدرتها على إدارة الأزمة.
محتــويات المقــال
ملاحظة حول الأمراض المذكورة (للتوعية):
-
الدفتيريا: هو مرض بكتيري خطير يصيب الجهاز التنفسي، ويتميز بتكون غشاء سميك في الحلق قد يؤدي إلى صعوبة التنفس ومضاعفات قاتلة. الوقاية الأساسية منه تكون عبر الالتزام بالتحصين باللقاح.
-
حمى الوادي المتصدع: هو مرض فيروسي حيواني المنشأ ينتقل أساسًا من الحيوانات المصابة (مثل الأغنام والماشية) إلى البشر من خلال البعوض أو ملامسة سوائل الجسم المصابة. يتفشى غالبًا في مناطق تربية الماشية.
أعادت الحالات المؤكدة لمرض الدفتيريا في ولاية سكيكدة شرق الجزائر، إلى الواجهة سؤالاً مصيريًا في الأوساط الطبية يتجاوز الخبر العابر: هل تكشف هذه العودة عن وجود ثغرات فعلية في منظومة التلقيح والرقابة الصحية؟ يشدد المختصون على أن التلقيح ضد الدفتيريا ليس خيارًا فرديًا يمكن التهاون فيه،
بل هو “سياسة وقاية جماعية” تشكل حجر الزاوية في حماية صحة الأطفال والمجتمع بأكمله. وتُظهر هذه الإصابات الحاجة الملحة لإعادة تقييم السياسات الصحية وتعزيز آليات الرقابة لضمان وصول اللقاحات إلى كل فرد دون استثناء.
تحذيرات الخبراء: غياب المناعة الجماعية يعيد أمراض الماضي
نداء عاجل من البروفيسور خياطي
حذر البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، من خطورة عودة أمراض كان يُعتقد أنها أصبحت من الماضي، مثل الدفتيريا. وأكد أن هذه الأمراض “لا تزال تشكل خطرًا حقيقيًا عند غياب المناعة الجماعية”، مشيرًا إلى أن وقاية المجتمع مسؤولية جماعية تحمي الجميع من عودة الأوبئة.
الأسباب الجذرية والمنظور الطبي
أوضح البروفيسور خياطي أن هذه الإصابات “لا تأتي من فراغ”، بل تعكس واقعًا مقلقًا يتمثل في:
-
تهاون بعض الأولياء: في تلقيح أطفالهم الرضع أو تأجيل التلقيح لأسباب غير مبررة.
-
اختراق المناعة المجتمعية: مما يخلق بيئة خصبة لعودة الأمراض المعدية.
وشدد على ضرورة “دق ناقوس الخطر” وإحياء الوعي المجتمعي بأن التلقيح هو وسيلة حماية جماعية وليس إجراءً فرديًا.
فهم المرض: ما هو الدفتيريا (الخناق)؟
طبيعة المرض وخطورته
الدفتيريا (المعروف أيضًا بالخناق) هو مرض بكتيري معدٍ خطير تسببه بكتيريا الوتدية الخناقية. تنتقل العدوى عبر الرذاذ التنفسي أو ملامسة أدوات الشخص المصاب. وتكمن خطورته في:
-
تكوين غشاء رمادي سميك في الحلق واللوزتين قد يؤدي إلى انسداد مجرى التنفس والاختناق.
-
إفراز البكتيريا لسموم قوية يمكن أن تؤثر على القلب والكلى والجهاز العصبي، مما قد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يُعالج المريض بسرعة.
الفئات الأكثر عرضة للخطر
-
الأطفال دون الخامسة من العمر.
-
كبار السن فوق الستين.
-
غير الملقحين.
-
ذوو المناعة الضعيفة (مثل مرضى الإيدز).
-
المقيمون في أماكن مزدحمة أو ذات ظروف صحية متدنية.
الحصيلة الرسمية والإجراءات العاجلة
بيان وزارة الصحة
أعلنت وزارة الصحة تسجيل خمس حالات مؤكدة بداء الدفتيريا في ولاية سكيكدة، نتج عنها وفاتان:
-
رجل أجنبي يبلغ من العمر 25 سنة.
-
طفلة جزائرية تبلغ 12 سنة غير ملقحة ضد المرض.
أكد بيان الوزارة أن هذه الحالات “تعيد إلى الواجهة الحديث عن هذا المرض الخطير الذي كاد أن يختفي بفضل برامج التلقيح”، مشددًا على أن وفاة الطفلة غير الملقحة تؤكد دور التلقيح الحاسم في الوقاية.
الوقاية والعلاج: خط الدفاع المتعدد المستويات
دور التلقيح كحائط الصد الأول
يظل اللقاح الثلاثي (DTP)، الذي يُدرج ضمن البرنامج الوطني للتلقيح ويُعطى للأطفال بدءًا من عمر شهرين، هو السلاح الأقوى للوقاية من المرض. ودعت الوزارة الأسر إلى:
-
الالتزام بجدول التلقيح الوطني بدقة.
-
عدم التهاون في الحصول على الجرعات التكميلية.
-
التأكد من اكتمال سجل التلقيح لأطفالهم.
العلاج الفوري للمصابين
يعتمد علاج حالات الإصابة على:
-
مصل مضاد للسموم: يُعطى فور الاشتباه في الإصابة لتحييد السموم.
-
المضادات الحيوية: مثل الإريثروميسين أو البنسلين للقضاء على البكتيريا.
-
العزل والرعاية الداعمة: في المستشفى، والتي قد تشمل تأمين التنفس ومراقبة وظائف القلب.
الإجراءات الوقائية في المجتمع والمدارس
دعا البروفيسور خياطي إلى تعزيز دور الأسرة والمدرسة في نشر الوعي، واتباع إجراءات وقائية صارمة، أبرزها:
-
تهوية الأقسام الدراسية باستمرار.
-
غسل اليدين بانتظام.
-
تجنب مشاركة الأدوات الشخصية.
-
مراجعة الطبيب فورًا عند ظهور أي أعراض تشبه نزلة البرد مع صعوبة في التنفس أو البلع.
خاتمة: الدفتيريا تذكرنا بأن اليقظة الصحية هي ثمن الحماية
تشكل عودة الدفتيريا في الجزائر تذكيرًا صارخًا بأن الأمراض المعدية لا تنتهي، بل تتربص بأي ثغرة في جدار المناعة المجتمعية. إن الالتزام بالتلقيح ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو مسؤولية أخلاقية واجتماعية تحمي الأفراد والمجتمع ككل.
تؤكد هذه الأزمة على الحاجة إلى حملات توعية مستمرة وتعزيز الثقة في اللقاحات ومراجعة شاملة لسلاسل التبريد وتوزيع اللقاحات لضمان وصولها إلى كل طفل، في كل مكان، دون أي عائق.





