صحة

بياض العين مؤشر على مشاكل خطيرة

غالباً ما يُنظر إلى العينين على أنهما مجرد نافذة على الروح، لكنهما في الواقع يمكن أن تكونا نافذة طبيعية على صحتك العامة. فقد تحمل العينان علامات وتغيرات دقيقة تعمل كمؤشرات مبكرة تنذر بمجموعة من المشكلات الصحية التي قد نكون غير مدركين لإصابتنا بها، مما يجعلهما أداة تشخيصية قوية لا ينبغي إغفالها.

مؤشرات تتجاوز مشاكل العين ذاتها

يعتقد الكثيرون أن التغيرات في شكل العين أو لونها تقتصر دلالتها على مشاكل في العين نفسها، مثل أمراض الشبكية أو القرنية. إلا أن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، حيث يمكن أن تكشف هذه العلامات عن أمراض جهازية تصيب أعضاء أخرى في الجسم. وتؤكد الدكتورة راشيل وارد، طبيبة عامة في خدمة الصحة الوطنية البريطانية (NHS)، أن فحص العينين يمكن أن يكون خطوة أولى حاسمة في الكشف عن حالات صحية خطيرة.

الكتل البيضاء أو الصفراء حول العين: جرس إنذار للكوليسترول

أشارت الدكتورة وارد إلى أن ظهور كتل أو نتوءات مسطحة ذات لون أبيض أو أصفر بالقرب من الجفون أو على الأنف، تُعرف طبيًا باسم “الزانثلازما” (Xanthelasma). ورغم أن هذه الرواسب نفسها غير ضارة ولا تسبب الألم، إلا أنها غالباً ما تكون جرس إنذار صامت لارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.

لماذا هذا مهم؟
يرتبط ارتفاع الكوليسترول بتراكم المواد الدهنية في جدران الشرايين، مما يؤدي إلى تضيقها وتصلبها، وهي حالة تسمى “تصلب الشرايين”. هذا التضيق يقلل من تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى القلب، مما يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بأمراض القلب التاجية (مثل الذبحة الصدرية) وتكوين الجلطات الدموية التي قد تؤدي إلى نوبة قلبية أو سكتة دماغية. لذلك، فإن رؤية هذه الكتل تستدعي إجراء فحص دم عاجل للتحقق من مستويات الدهون.

اصفرار بياض العين: علامة اليرقان التحذيرية

عندما يتحول بياض العينين (الصُلبة) إلى اللون الأصفر، فإن هذه الحالة تسمى “اليرقان” (Jaundice). يحدث هذا بسبب تراكم مادة صفراء اسمها “البيليروبين” في الدم، وهي نتاج طبيعي لتحطيم خلايا الدم الحمراء القديمة.

الأسباب الكامنة الخطيرة:
لا يعتبر اليرقان مرضاً بحد ذاته، بل هو عرض لمشكلة صحية كامنة، غالباً ما تتعلق بالكبد أو المرارة. تشمل هذه الأسباب:

  • التهابات الكبد: مثل التهاب الكبد الفيروسي (A, B, C).

  • تليف الكبد.

  • انسداد القنوات الصفراوية بسبب حصوات في المرارة.

  • في بعض الحالات الأكثر خطورة، يمكن أن يشير إلى أورام في الكبد أو البنكرياس أو المرارة.

لذا، فإن اصفرار العينين يتطلب تقييماً طبياً فورياً وشاملاً لتحديد السبب الجذري وعلاجه.

شحوب الجفن السفلي: دليل على فقر الدم

يمكن إجراء فحص بسيط وسريع في المنزل: اسحب جفنك السفيل لأسفل وانظر إلى لونه من الداخل. في الوضع الطبيعي، يجب أن يكون لونه أحمراً أو وردياً غنياً بسبب الأوعية الدموية الكثيفة.

ماذا يعني الشحوب؟
إذا ظهر اللون شاحباً أو أصفر باهتاً، فقد يكون ذلك مؤشراً قوياً على فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، حيث لا يمتلك الجسم ما يكفي من خلايا الدم الحمراء السليمة لحمل الأكسجين الكافي إلى الأنسجة.

المخاطر المحتملة:
فقر الدم الحاد لا يسبب فقط التعب والشحوب وضيق التنفس، بل يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة تؤثر على القلب والرئتين، حيث يُجبر القلب على العمل بجهد أكبر لضخ الدم المحمل بما قل من الأكسجين. كما أن النساء الحوامل المصابات بفقر الدم الشديد يكن أكثر عرضة لمخاطر المضاعفات قبل وبعد الولادة.

ضعف أو فقدان البصر المفاجئ: إنذار للدماغ والأعصاب

أي تغير مفاجئ في الرؤية، سواء كان ضبابية أو ازدواجية أو فقداناً جزئياً أو كلياً للبصر، حتى لو كان مؤقتاً، يجب أن يؤخذ على محمل الجد. فهذه الأعراض لا تتعلق دائمًا بالعين نفسها، بل قد تكون علامة على وجود خلل في الجهاز العصبي أو الدماغ.

الارتباط بالسكتة الدماغية:
عندما يقترن ضعف البصر بأعراض أخرى مثل:

  • صعوبة في تحريك إحدى العينين أو كلتيهما.

  • تدلي الوجه من أحد الجانبين.

  • ضعف مفاجئ في الذراع أو الساق.

  • صعوبة في الكلام أو تداخل الكلام.

فإن هذا قد يكون مؤشراً على نوبة إقفارية عابرة (TIA) أو سكتة دماغية كاملة، وهي حالة طبية طارئة تستدعي الاتصال بالطوارئ فوراً.

جحوظ العينين: ورم عينيك قد يكشف عن خلل في الغدة الدرقية

إذا لاحظت بروزاً غير طبيعي في إحدى العينين أو كلتيهما (جحوظ العين)، حيث يظهر بياض العين بين الجفن العلوي والقزحية، فقد يكون هذا علامة على مرض غريفز (Graves’ disease)، وهو أحد أمراض فرط نشاط الغدة الدرقية ذات الطبيعة المناعية.

كيف يحدث ذلك؟
يهاجم الجهاز المناعي أنسجة العين والغدة الدرقية، مما يتسبب في التهاب وانتقال الأنسجة الدهنية والعضلات خلف مقلة العين، فتدفعها إلى الأمام. غالباً ما يصاحب الجحوظ أعراض أخرى مثل التهيج، خفقان القلب، فقدان الوزن غير المبرر، والعصبية.

خاتمة:
في النهاية، تؤكد الدكتورة وارد على أن العينين هما مرآة حقيقية للصحة العامة. أي تغير ملحوظ في مظهرهما أو وظيفتهما – سواء كان في اللون، الشكل، أو الوضوح – يجب ألا يتم تجاهله. الفحص الذاتي الدقيق والوعي بهذه العلامات، مقترنة مع استشارة الطبيب فور ملاحظتها، يمكن أن يكون مفتاحاً للكشف المبكر عن أمراض خطيرة وعلاجها في الوقت المناسب، مما يحمي ليس فقط نظرك، بل صحتك بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى