ذلك الصوت المزعج من همهمة، صفير، رنين، أو أزيز الذي يسمعه المرء في صمت الليل أو خلال يومه – والمعروف طبياً باسم “طنين الأذن” (Tinnitus) – هو أكثر من مجرد إزعاج عابر. إنه تجربة شائعة تؤرق الملايين حول العالم، وتتراوح شدتها من حالة بسيطة يمكن التعايش معها إلى حالة منهكة تعطل النوم والتركيز ونوعية الحياة.
ولكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: متى يكون هذا الطنين مجرد عرض شائع لا يدعو للقلق، ومتى يتحول إلى جرس إنذار ينذر بمشكلة صحية كامنة وخطيرة تتطلب تدخلاً طبيًا عاجلًا؟ هذا التقرير يحفر تحت السطح ليمنحك الإجابات.
محتــويات المقــال
الفهم الأساسي: ما هو طنين الأذن؟
طنين الأذن ليس مرضًا في حد ذاته، بل هو عرض لخلل ما في النظام السمعي أو أجزاء أخرى من الجسم. يمكن تشبيهه بـ “ألم الظهر”؛ حيث أن الألم هو الشعور، ولكن سببه يمكن أن يكون شدًا عضليًا بسيطًا أو انزلاقًا غضروفيًا خطيرًا. مشابه، مصدر الطنين يمكن أن يكون بسيطًا أو معقدًا.
النوع “الطبيعي” أو الشائع: الطنين الثنائي غير النابض
هذا هو النوع الأكثر انتشارًا، وخصائصه هي:
-
الموقع: يظهر في كلتا الأذنين (ثنائي الجانب).
-
طبيعة الصوت: يكون منتظمًا، ثابتًا (مثل صوت الصفير أو الأزيز الثابت)، وليس نابضًا (لا ينبض مع نبض القلب).
-
الانتشار: إحصائيًا، يعاني منه حوالي 20% من البالغين (واحد من كل خمسة) وتصل النسبة إلى 40% بين كبار السن.
-
الأسباب المحتملة: غالبًا ما يرتبط بالتقدم في العمر (Presbycusis) وتلف خلايا الشعر الدقيقة في القوقعة السمعية بسبب الضوضاء العالية أو بعض الأمراض. في هذه الحالات، يكون الطنين عرضًا ثانويًا ودائمًا، ويركز العلاج على التعايش معه وإدارته بدلا من إيجاد علاج.
الطنين “الخطير”: العلامات الحمراء التي تستدعي زيارة الطبيب فورًا
هنا يكمن جوهر التحذير. إذا كان طنينك يحمل إحدى الصفات التالية، فلا تتهاون في استشارة أخصائي الأنف والأذن والحنجرة:
-
الطنين أحادي الجانب (في أذن واحدة فقط):
-
الدلالة: قد يكون مؤشرًا على وجود ورم العصب السمعي (Acoustic Neuroma)، وهو ورم حميد لكنه يضغط على العصب السمعي والمتوازن. الاكتشاف المبكر مهم للعلاج.
-
-
الطنين النابض (Pulsatile Tinnitus):
-
الدلالة: إذا كان الصوت متماشيًا مع دقات قلبك (مثل “نبض” أو “خفقان”)، فقد يشير إلى:
-
تضيق في الأوعية الدموية carotid artery) أو الوريدية في الرقبة.
-
ارتفاع ضغط الدم أو تصلب الشرايين.
-
تشوه شرياني وريدي (AVM) في الرأس أو الرقبة.
-
هذه الحالات تتعلق بصحة الأوعية الدموية وقد تكون خطيرة.
-
-
-
الطنين الموضوعي (Objective Tinnitus):
-
الدلالة: إذا كان الطبيب قادرًا على سماع الصوت نفسه باستخدام السماعة الطبية. هذا نادر ويشير دائمًا إلى سبب داخلي يمكن تحديده، مثل تشنج عضلي في الأذن الوسطى أو مشكلة وعائية.
-
-
الطنين المصحوب بأعراض أخرى:
-
إذا صاحبه دوار شديد (دوران)، فقدان سمع مفاجئ أو سريع التدهور، ألم، أو شلل في عضلات الوجه. هذه علامات على حالات عصبية أو التهابية خطيرة.
-
عوامل الخطر والمحفزات: ما الذي يزيد من احتمالية إصابتك؟
بالإضافة إلى العمر والتعرض للضوضاء، هناك عوامل أخرى:
-
بعض الأدوية: أكثر من 200 دواء مسجل كأثر جانبي لها التسبب في الطنين، أبرزها:
-
الجرعات العالية من الأسبرين (ASA).
-
بعض مضادات الاكتئاب.
-
بعض المضادات الحيوية.
-
بعض مدرات البول.
-
أدوية العلاج الكيميائي.
-
-
أسلوب الحياة:
-
السماعات داخل الأذن (Earbuds): الاستخدام المطول بمستويات صوت مرتفعة يعد من أكبر المهددات الحديثة للسمع ويسبب طنينًا دائمًا. السماعات العلوية (Over-ear) تعتبر خيارًا أقل خطرًا إذا استخدمت بوعي.
-
التدخين والكحول والكافيين: يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الطنين لدى بعض الأشخاص.
-
الخلاصة: خطة عمل واضحة
-
إذا كان طنينك ثنائيًا، ثابتًا (غير نابض)، ولا يصاحبه أي أعراض أخرى: من المحتمل أن يكون من النوع الشائع. مع ذلك، استشارة الطبيب للاطمئنان وتعلم استراتيجيات إدارة الطنين (كعلاج إعادة التدريب على الطنين – TRT) فكرة جيدة.
-
إذا كان طنينك يحمل أيًا من “العلامات الحمراء” (أحادي الجانب، نابض، موضوعي، أو مصحوب بدوار أو فقدان سمع): هذه ليست نصيحة، بل هي ضرورة طبية. يجب أن تحجز موعدًا مع طبيب الأنف والأذن والحنجرة في أسرع وقت ممكن. سيقوم الطبيب بإجراء فحوصات مثل اختبار السمع (Audiometry) أو التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لتحديد السبب الجذري وعلاجه.
لا تتجاهل الصوت في أذنك. قد يكون جسدك يحاول إخبارك بشيء مهم. الاستماع إليه مبكرًا يمكن أن ينقذ سمعك وصحتك.





