مكة المكرمة – أعلنت رئاسة الشؤون الدينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي عن تعيين الشيخ بدر التركي لإمامة المصلين في صلاة خسوف القمر، المقرر إقامتها يوم الأحد الموافق 15 ربيع الأول 1447 هـ، في المسجد الحرام عند الساعة التاسعة مساءً.
توجيه وزاري عام لإقامة الصلاة في جميع المساجد
جاء هذا الإعلان متزامناً مع توجيهات معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، والتي أمر بها جميع أئمة المساجد والجوامع في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية بإقامة صلاة الخسوف فور مشاهدة هذه الظاهرة الفلكية مساء الأحد.
الاستناد إلى السنة النبوية في إقامة الصلاة
يستند هذا التوجيه إلى السنة النبوية الشريفة التي تحث المسلمين على أداء هذه الصلاة والتوجه إلى الله بالدعاء والذكر عند رؤية خسوف القمر، اتباعاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا وادعوا الله حتى يكشف ما بكم”.
توجيهات للأئمة بتوعية المصلين وتعزيز الجانب الروحي
كما دعا معالي الوزير أصحاب الفضيلة الأئمة إلى توجيه المصلين وتذكيرهم بأهمية:
-
الإكثار من ذكر الله تعالى والاستغفار والتكبير خلال فترة الخسوف.
-
التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحة وعمل الخير.
-
تقديم الصدقات وإحياء السنة النبوية.
هذه التوجيهات تعكس حرص القيادة الدينية على ربط الظواهر الكونية بالعبادة والتأمل في عظمة الخالق وقدرته، وتعزيز الجانب الروحي في المجتمع.
يشهد العالم اليوم ظاهرة فلكية مبهرة تتمثل في خسوف كلي نادر للقمر، سيكون مرئيًا بالعين المجردة في المملكة العربية السعودية ومعظم الدول العربية، بالإضافة إلى مناطق شاسعة تشمل آسيا، أستراليا، والأجزاء الوسطى والشرقية من أوروبا وإفريقيا.
الخسوف الكلي للقمر: محاذاة كونية نادرة
يحدث الخسوف الكلي للقمر عندما تصطف الأجرام السماوية الثلاثة – الشمس والأرض والقمر – على خط واحد بشكل مثالي، مما يؤدي إلى مرور القمر عبر الجزء الداخلي من ظل الأرض، المعروف باسم “الظل”. ويتميز هذا الخسوف بكونه يقع قبل يومين فقط من وصول القمر إلى نقطة “الحضيض” (أقرب مسافة له من الأرض)، مما يجعله يبدو أكبر من حجمه المعتاد بنسبة 3.2% تقريبًا، وهي ظاهرة تعرف باسم “القمر العملاق”.
مدة طويلة واستعدادات للرصد
أفادت الجمعية الفلكية بجدة عبر منشور على فيسبوك أن المدة الإجمالية للخسوف، منذ بدايته حتى نهايته، ستستغرق حوالي 5 ساعات و27 دقيقة. وأوصت الجمعية برصد مرحلتي الخسوف الجزئي والكلي، إذ تعدان الأكثر وضوحًا وملاءمة للرصد بالعين المجردة.
وتستمر هاتان المرحلتان معًا لمدة 3 ساعات و29 دقيقة، في حين تستمر مرحلة الخسوف الكلي الكامل وحدها لمدة 82 دقيقة، وهي مدة طويلة نسبيًا وتعد الأطول منذ عام 2018، مما يمنح العلماء فرصة ثمينة لدراسة خصائص الغلاف الجوي للأرض.
الجدول الزمني التفصيلي لمراحل الخسوف في السعودية
-
الساعة 06:28 مساءً: يبدأ القمر بدخول منطقة “شبه الظل” (الظل الخارجي للأرض)، حيث يبدأ ضوءه بالخفوت تدريجيًا، لكن هذا التغير طفيف جدًا ولا يمكن ملاحظته بسهولة بالعين المجردة.
-
الساعة 07:27 مساءً: تبدأ مرحلة الخسوف الجزئي، حيث يدخل القمر منطقة “الظل” الداخلي للأرض، ويمكن للراصدين رؤية ظل الأرض المقوس على سطح القمر، وهي دليل مرئي على كروية الأرض.
-
الساعة 08:30 مساءً: تبدأ مرحلة الخسوف الكلي، حيث يغوص القمر بالكامل في ظل الأرض. وفي الدقائق الأولى، يمكن للمشاهدين باستخدام المناظير أو التلسكوبات الصغيرة رصد لون أخضر مزرق على حافة القمر، ناتج عن مرور ضوء الشمس عبر طبقة الأوزون وامتصاصها للضوء الأحمر.
-
الساعة 09:11 مساءً: تبلغ الظاهرة ذروتها، حيث يكون القمر في أعمق نقطة داخل ظل الأرض. يعتمد لون القمر في هذه المرحلة (الذي يتراوح بين الأحمر الداكن، النحاسي، البرتقالي، أو حتى البني الباهت) كليًا على حالة الغلاف الجوي للأرض (كمية الغبار، الرماد البركاني، والسحب).
-
الساعة 09:54 مساءً: تنتهي مرحلة الخسوف الكلي، ليعود القمر تدريجيًا إلى مرحلة الخسوف الجزئي.
-
الساعة 10:56 مساءً: تنتهي مرحلة الخسوف الجزئي، ويستعيد القمر كامل إضاءته.
-
الساعة 11:55 مساءً: يخرج القمر تمامًا من منطقة شبه الظل، منهيًا الظاهرة بأكملها.
أهمية علمية واستخدام مقياس دانجون
يصنف العلماء سطوع الخسوف الكلي باستخدام مقياس دانجون، الذي يتراوح من 0 (داكن جدًا) إلى 4 (سطوع نحاسي أو برتقالي لامع). يعكس هذا التصنيف مدى نقاء أو تلوث طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي للأرض، مما يجعل هذه الظاهرة بمثابة مختبر طبيعي لدراسة الهباء الجوي والغازات والانبعاثات البركانية.
لماذا لا يحدث الخسوف كل شهر؟
لا يحدث الخسوف بشكل شهري بسبب ميلان مدار القمر حول الأرض بمقدار 5 درجات مقارنة بمدار الأرض حول الشمس. لذلك، لا يمر القمر دائمًا عبر ظل الأرض مباشرة، بل يحدث ذلك فقط عندما يعبر القمر المكتمل إحدى “العقد” (نقاط التقاء المدارين)، مما يجعل الخسوفات الكلية أحداثًا نسبيًا نادرة.
تصحيح مصطلح “القمر الدموي”
انتشر مصطلح “القمر الدموي” بشكل غير علمي في عام 2013 مرتبطًا ببعض النبوءات. والمصطلح العلمي والأدق هو “خسوف القمر الكلي” أو “القمر القرمزي”، حيث تصف كلمة “قرمزي” اللون الأحمر العميق الذي يتخذه القمر بدقة أكبر وتجنبًا للإيحاءات غير العلمية.
خاتمة: لحظة كونية موحدة
تتجاوز هذه الظاهرة كونها مجرد حدث فلكي؛ فهي موعد كوني يجمع سكان الأرض تحت قبة سماء واحدة. في تلك اللحظات، يتحول ضوء القمر إلى لوحة قرمزية تحمل رسالة عن جمال ودقة الكون، تذكرنا بأننا جميعًا، رغم تباعد أوطاننا، نشترك في سماء واحدة وننتمي إلى عالم واحد.