قصة المصري في العراق
يُحكى أنه في إحدى ليالي الشتاء القاسية في بغداد، حيث كانت الأمطار تتساقط والرياح تعصف، تلقى الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، مكالمة هاتفية عاجلة. فما كان منه إلا أن همّ بالخروج فوراً برفقة حارسه الشخصي الأمين “عبد حمود” وطاقم حمايته.
أثار هذا الخروج المفاجئ في طقسٍ عاصفٍ استغراب مرافقيه، خاصةً في وقت متأخر من الليل وبدون أي ترتيبات مسبقة أو اجتماعات معروفة. لكنهم، اعتادوا على مثل هذه التصرفات المفاجئة من الرئيس، وظنوا أن أمراً طارئاً بالغ الأهمية يستدعيه.
محتــويات المقــال
جذور الحكاية: ظلم وعنصرية
تكشفت خلفية هذه القصة لاحقاً. فالأمر بدأ بمشادة بين مواطن مصري يدعى “محمد عبد الهادي” كان يعمل في العراق، وتاجر عراقي. انتهى النزاع باعتداء التاجر على العامل المصري وضربه ضرباً مبرحاً، ورفض دفع أجره المستحق له، بل وشتمه وهدده بالطرد من البلاد مدعياً أن له نفوذاً وأقارب في “حزب البعث الحاكم”، في محاولةٍ للبطش به وإرهابه.
بيت القصيد: رسالة يائسة إلى القصر
عاد العامل المصري إلى غرفته محطم النفس، مثقلاً بالهم والظلم، وليس في جيبه قوت يومه بعد أن كان قد أرسل كل ما يملك إلى أسرته في مصر. حكى مأساته لأحد جيرانه العراقيين الطيبين، الذي تعاطف معه وأصر على أن يكتب له رسالة إلى أعلى سلطة في البلاد، يشرح فيها مظلمته.
كتب الجار الرسالة موجهاً إياها إلى الرئيس صدام حسين نفسه. تردد “عبد الهادي” كثيراً في إرسالها، خوفاً من الملاحقات الأمنية أو أن تلقى رسالته في سلة المهملات، ولكن إلحاح صديقه وألمه دفعه في النهاية لإيداعها في أحد مكاتب البريد.
ليلة من الرعب والأمل
في ليلة أخرى باردة، بينما كان الريح يعوي خارجاً، دق باب غرفة “عبد الهادي” بقوة. فتح الباب ليجد مجموعة من رجال الشرطة والحرس الجمهوري واقفين على بابه. استسلم للخوف ظناً منه أن نهايته قد أتت، فأقسم لهم بأنه بريء ومظلوم.
لكن مفاجأته كانت كبيرة عندما عاملوه بكل احترام وطمأنوه، وطلبوا منه ارتداء ملابسه لأن “مسؤولاً كبيراً” ينتظره. رافقوه في السيارة وهو في حيرة من أمره، لا يدري إن كانوا يأخذونه إلى سجن أم إلى مقر مسئول أمني.
مفاجأة فوق التوقعات: لقاء مع الرئيس
بعد نصف ساعة من الرحلة، وجد “عبد الهادي” نفسه في مكان لم يكن ليخطر على باله. فالمسؤول الكبير الذي كان ينتظره لم يكن سوى الرئيس صدام حسين نفسه، حياً أمامه بلحمه وشحمه.
صعق المصري من هول المفاجأة حتى كاد يفقد توازنه، وظن أنه يحلم. لم يتمالك نفسه فانهمرت دموعه غزيرة. تحرك الرئيس نحوَه بحنية، واحتضنه وربت على كتفيه لتهدئته، وأمر أحد معاونيه بإحضار كوب من الليمون الدافئ له.
عدالة فورية ورد اعتبار
قال له صدام حسين كلمات لا تنسى: “أنت في بلدك ولا تقلق نهائياً.. وحقك راح يرجعلك كاملاً مكملاً، نحن لا نقبل أبداً إهانة أي مواطن مصري أو عربي على أرض العراق أو التعدي على حق من حقوقه”. وعلى الفور، أصدر أوامره المباشرة بالقبض على التاجر العراقي الظالم وكذلك أي شخص من حزب البعث هُدد به، بغض النظر عن منصبه.
كرم وسخاء لا نظير لهما
لم تكتفِ العدالة برد حقه، بل أمر الرئيس بتعويضه وتعزيز وضعه. فأمر بعلاجه في أفضل المستشفيات، وصرف له مبلغاً مالياً كبيراً، وتوفير فرصة عمل جديدة مناسبة له.
ثم التفت إلى مرافقه “عبد حمود” وقال بصوته الجهوري الذي لا يقبل الجدل: “بلغوا عني للجميع هذا الكلام وعمموه: المصري أخو العراقي، واللي يزعل مواطن مصري أو يعتدي عليه يزعل صدام حسين رأساً.. ينفذ فوراً يا عبد”.
هكذا تحولت مأساة عامل بسيط إلى قصة أصبحت مضرب مثل في الكرم والعدالة والوقوف مع المظلوم، بفضل تدخل شخصي من أعلى سلطة في البلاد.