في خطوة تعتبر من أضخم عمليات التطوير العمراني الحديثة، أعلنت أمانة محافظة جدة في المملكة العربية السعودية عن قرار مصيري ومؤثر، ينطوي على جانب إنساني عميق.
حيث قررت السلطات المختصة المضي قدماً في خطة إزالة 26 حيًا ومنطقة سكنية ضمن نطاق المدينة. يأتي هذا القرار الحاسم في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة هيكلة النسيج العمراني للمدينة، والبدء في صفحة جديدة للتخلص النهائي من الأحياء العشوائية والمتهالكة، والتي تشكل تحدياً على المستويين الأمني والاجتماعي.
كما تشمل الخطة أراضٍ تابعة لوقف الملك عبدالعزيز للعين العزيزية، مما يعكس تعاوناً مؤسسياً لتحقيق أقصى استفادة من الأراضي لصالح التنمية الشاملة. في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل الأحياء المستهدفة، مقدمين لمحة شاملة عن هذا المشروع التطويري الضخم بناءً على البيانات الرسمية.
محتــويات المقــال
السياق والأهداف: لماذا يتم إزالة هذه الأحياء؟
لا يمكن فهم هذا القرار بمعزل عن الرؤية الطموحة للمملكة العربية السعودية 2030، والتي تضع تطوير المدن وتحسين جودة الحياة لسكانها في صلب أولوياتها. فالأحياء المستهدفة، والتي يعود بعضها إلى عقود طويلة، تعاني من تحديات بنيوية خطيرة، تشمل:
-
تدهور البنية التحتية: شبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء قديمة وغير آمنة في كثير من الأحيان.
-
الاكتظاظ السكاني: تؤدي هذه الظاهرة إلى ضغط هائل على الخدمات العامة من تعليم وصحة.
-
المخاطر الأمنية والسلامة: تكثر المباني غير الآمنة وتنعدم المعايير الحديثة للسلامة من الحريق، كما تصبح هذه المناطق بؤراً للأنشطة غير النظامية.
-
تشويه المظهر الحضاري: تتعارض هذه المناطق مع الصورة الحديثة والمتطورة التي تسعى جدة، كعروس البحر الأحمر ووجهة سياحية واقتصادية عالمية، إلى تقديمها.
لذلك، فإن عملية الإزالة ليست غاية في حد ذاتها، بل هي خطوة ضرورية تمهيداً لبناء وتطوير هذه المناطق وفق مخططات عمرانية عصرية تتضمن مساحات خضراء، ومرافق خدمية متكاملة، وبنية تحتية ذكية، تستوعب الاحتياجات المستقبلية للمدينة وسكانها.
التفاصيل الكاملة: ما هي الأحياء والمناطق المستهدفة بالإزالة في جدة؟
أعلنت أمانة جدة رسمياً أن خطة الإزالة الجارية تشمل مجموعة من الأحياء المنتشرة في أنحاء المدينة. وفيما يلي القائمة التفصيلية للأحياء المشمولة بالخطة كما وردت في الإعلانات الرسمية:
-
حي البروبة
-
حي الثعالبة
-
حي الثغر
-
حي الشرقية
-
حي الفهد (مدائن)
-
حي القريات
-
حي النزلة اليمانية
-
حي النزهة
-
حي ذهبان
-
المناطق العشوائية في وسط جدة (وهي تشمل عدة أحياء متداخلة)
-
منطقة البلد (التي تمثل القلب التاريخي لجدة)
-
منطقة الجزيرة
-
منطقة السبيل
-
منطقة العمارية
-
منطقة الهنداوية
تجدر الإشارة إلى أن بعض هذه المناطق، مثل “منطقة البلد” المسجلة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، قد تخضع لعمليات تطوير ترميمي للحفاظ على طابعها التاريخي بينما يتم إزالة المناطق العشوائية المحيطة أو غير الآمنة فيها.
الجانب الإنساني والتعويضات: حماية حقوق السكان
تدرك الحكومة السعودية تماماً الأثر الإنساني والاجتماعي لهذا القرار على الأسر والمقيمين في هذه المناطق. لذلك، رافقت عملية الإزالة إعلان عن حزمة تعويضات وإجراءات لدعم المتأثرين.
تشمل هذه الحزمة تعويضات نقدية عادلة تقدر بمليارات الريالات، بالإضافة إلى توفير وحدات سكنية بديلة في مشاريع الإسكان التنموي المنتشرة في أحياء جديدة ومطورة، مجهزة بكافة الخدمات.
كما يتم توفير الدعم اللوجستي القانوني لتسهيل عملية الانتقال، مما يضمن حصول كل أسرة على حقها ويخفف من حدة التحديات التي قد تواجهها خلال هذه المرحلة الانتقالية.
الخلاصة: بين ماضي عريق ومستقبل مشرق
قرار إزالة 26 حياً في جدة هو أكثر من مجرد عملية هندسية؛ إنه تحول جذري في فلسفة إدارة المدن. فهو يمثل موازنة دقيقة بين الحفاظ على الذاكرة التاريخية للمدينة وبين ضرورة اللحاق بركب التطور والحداثة.
على الرغم من الآلام المصاحبة لأي تغيير بهذا الحجم، إلا أن الرؤية الشاملة والخطة المدروسة، إلى جانب الاهتمام البالغ بحقوق السكان، تشير إلى أن الهدف النهائي هو بناء جدة جديدة، أكثر أماناً، واستدامة، وجمالاً، تكون لائقة بمكانتها كبوابة للحرمين الشريفين وواجهة عالمية للمملكة العربية السعودية.





