لم يكن نامان جوبتا، الشاب الهندي البالغ من العمر 26 عامًا، يتخيل أن نظرة عابرة على كومة من أعقاب السجائر المتناثرة بعد حفلة ستكون البذرة التي ستنمو لتحوله إلى مليونير في سنوات قليلة.
في تلك اللحظة، تساءل نامان عن الكمية الهائلة من السجائر التي يتم التخلص منها يوميًا حول العالم، مما أطلق شرارة فضوله ودفعه للتفكير خارج الصندوق.
لم يرَ في هذه الأعقاب مجرد نفايات، بل رأى فيها مواد خام مجانية تنتظر من يعيد تدويرها، لتبدأ رحلته في تحويلها إلى منتجات مفيدة مثل الدمى، وميداليات المفاتيح، وطارد البعوض، والسماد العضوي للنباتات.
من الفكرة إلى المشروع: ولادة شركة رائدة
لم تبقَ فكرة نامان مجرد حلم، بل سارع لتحويلها إلى واقع ملموس. لقد أسس شركة متخصصة أصبحت رائدة في مجالها، تقوم على استراتيجية ثلاثية المحاور:
-
الجمع: من خلال تثبيت صناديق مخصصة (أطلق عليها لاحقًا اسم “VBins”) في الأماكن العامة والمدن لجمع أعقاب السجائر بشكل منظم.
-
التدوير: نقل هذه الأعقاب إلى مراكز الإنتاج لمعالجتها.
-
التحويل: إعادة تصنيعها إلى منتجات جديدة ذات قيمة وطلب في السوق. بهذه الرؤية الشاملة، لم يكن مشروعه مجرد عمل تجاري، بل كان حلًا بيئيًا متكاملاً لمشكلة مزمنة.
أرقام مذهلة: حصادة إنجازات بيئية واقتصادية
لم تكن رحلة نامان مجرد قصة إلهام عاطفية، بل كانت مدعومة بأرقام وإنجازات مادية ملموسة. فقد كشفت التقارير أن شركته، منذ انطلاقتها في عام 2016، حققت إيرادات تجاوزت المليون دولار (ما يعادل أكثر من 15.6 مليون جنيه مصري).
على الصعيد البيئي، فإن إنجازاته أكثر إبهارًا، حيث أعاد تدوير 300 مليون عقب سجائر، وهو ما يعادل وزنًا قدره 100,000 كيلوجرام من النفايات الخطرة تم تحويلها من ملوث للبيئة إلى مورد نافع.
التحدي والوعي: كشف اللغز البلاستيكي
واجه نامان تحديًا كبيرًا يتمثل في الوعي العام الخاطئ. حيث أوضح أن معظم الناس كانوا يعتقدون أن فلتر السجائر مصنوع من القطن، مما يجعلهم يستخفون بخطورته.
وكان جزء من مهمته هو توعية المجتمع بأن الفلتر في الواقع مصنوع من مادة بلاستيكية (أسيتات السليولوز)، وهي مادة غير قابلة للتحلل الحيوي وتسبب تلوثًا بيئيًا هائلاً. لقد كان نامان رائدًا في سوق شبه خالية من المنافسة، حيث قال: “لم تكن هناك قوانين أو شركات تقوم بإعادة تدوير أو إدارة هذا النوع من النفايات، لقد كان مفهومًا جديدًا تمامًا في الهند”.
الرسالة والإرث: أبعد من مجرد المال
على الرغم من النجاح المالي الكبير، يؤكد نامان أن الدافع الحقيقي وراء مشروعه يتجاوز كسب المال. فهو يعبر بحماس عن أن الأمر “يتعلق بخدمة المجتمع ومعالجة مشكلة حقيقية يواجهها وتقديم الحل”. هذا المزيج بين الريادة الخضراء والمسؤولية الاجتماعية هو ما يمثل قلب وجوهر هذه القصة الملهمة، مما يجعلها نموذجًا لأعمال القرن الحادي والعشرين.
النموذج الاقتصادي الشامل: تمكين المجتمع مع حماية البيئة
بدأ نامان مشروعه الطموح وهو لا يزال طالبًا في السنة الثالثة بجامعة دلهي. وقد تطور نموذجه الاقتصادي ليكون شاملاً ومستدامًا، حيث يتلقى الآن ما يصل إلى 6000 كيلوجرام من أعقاب السجائر شهريًا.
ويعتمد على شبكة من الباعة الجائلين ومحلات “البان” الذين يجمعون الأعقاب في الصناديق المخصصة، ويحصلون بدورهم على أجر مالي مقابل كل كيلوجرام يجمعونه.
وهذا لا يوفر له مادة خام مجاني فحسب، بل يخلق فرص عمل جديدة ويدعم اقتصاديات الفئات محدودة الدخل، في حلقة تربط بين الربح والتأثير الاجتماعي والإيجابي البيئي.
الخلاصة: تثبت قصة نامان جوبتا أن أعظم الفرص قد تكون مخبأة في أكثر الأماكن غير المتوقعة. لقد استطاع أن يرى الذهب حيث رأى الآخرون قمامة، محولاً مشكلة بيئية عالمية إلى سوق مزدهر.
إنها شهادة على قوة الابتكار الاجتماعي والبيئي، وإثبات على أن النجاح التجاري الحقيقي هو ذلك الذي يولد منه منفعة للجميع: لصاحبه، لمجتمعه، ولكوكب الأرض.





