طنطا – أعاد المولد السنوي للسيد البدوي في مدينة طنطا بمحافظة الغربية الجدل الدائر حول ظاهرة الموالد في مصر إلى الواجهة، حيث شهدت الليلة الكبيرة للمولد التي وافقت 16 أكتوبر 2025 حشوداً بشرية هائلة، تصدرت محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، لتثير النقاش حول شرعية هذه الاحتفالات بين مؤيد يراها تعبيراً عن التراث الروحي، ومعارض يرفض بعض مظاهرها.
حضور تاريخي وشعبية واسعة
ولد أحمد البدوي في مدينة فاس المغربية عام 1199 ميلادية، وهاجر مع أسرته إلى مكة في صغره، قبل أن يستقر في مدينة طنطا المصرية التي كانت تعرف باسم “طنتدي”، حيث توفي عام 1276 بعد أن عُرف بلقبي “شيخ العرب” و”السطوحي”. وقد تحول ضريحه إلى مزار روحي مهم، يقصده الملايين سنوياً في واحدة من أكبر التجمعات الصوفية في العالم الإسلامي.
جدل إعلامي وأكاديمي حول الظاهرة
تناول الإعلامي عمرو أديب ظاهرة الحشود الهائلة في برنامجه “الحكاية”، معتبراً أن المشهد “مذهل بكل المقاييس”، حيث قدّر عدد الحضور بما بين مليون إلى ثلاثة ملايين شخص. وأشار إلى “حالة الدهشة” التي تعتري الناس، مستنكراً في الوقت نفسه بعض المظاهر التي رأى أنها تخالف العقيدة الإسلامية، مثل التبرك بالبدوي والتوجه بالدعاء عبر وسيط.
من جهته، أعرب الدكتور سعد الهلالي، الأستاذ بجامعة الأزهر، عن موقف متحفظ من ظاهرة الموالد، معتبراً أنها “واقع يعيش فيه الأميون”، ومؤكداً أن “وظيفة الأزهر هي بيان أن الله هو النافع والضار ولا أحد يعلم الغيب إلا الله”.
تفاعل مجتمعي ورؤى متوازنة
أثارت صور الحشود الهائلة تفاعلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث علق الكابتن أحمد شوبير، ابن مدينة طنطا، مؤكداً أن هذه الحشود “أمر طبيعي جداً” في مولد السيد البدوي. وأوضح أن المولد يعد المناسبة الأهم لمحلات الحلويات في طنطا، ويحضره كبار القراء والمنشدين، مشيراً إلى أن انقطاع المولد بسبب الجائحة يفسر الحشود الكبيرة هذه السنة.
مشاركة رسمية وتأييد مؤسسي
شارك في الاحتفال الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، بحضور محافظ الغربية وشيخ مشايخ الطرق الصوفية والدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق. وأكد وزير الأوقاف أن هذا التجمع يمثل “صورة مشرقة من صور التلاحم الوطني والروح الإيمانية التي تميز الشعب المصري”، معتبراً أن “مصر بلد الأولياء والعلماء، ومحفوظة بحفظ الله تعالى وبركة أوليائه الصالحين”.
رؤية أنثروبولوجية للظاهرة
وصف الدكتور يسري رشدي جبر، من علماء الأزهر، الموالد بأنها “فولكلور ديني”، مشيراً إلى انتشارها في العديد من البلدان الإسلامية. وأوضح أن هذه الموالد تمثل “متنفساً للأسر البسيطة وأقرب للنزهات العائلية”، حيث تسافر الأسر من أماكن بعيدة وتجد “نزهة كاملة وثلاث وجبات مجانية يومياً”. وأكد أن زيارة الأولياء والصالحين “مستحبة”، مع الاعتراف بوجود بعض المظاهر السلبية التي تعتبر نتيجة طبيعية للزحام في أي تجمع بشري كبير.
سند شرعي من دار الإفتاء
كانت دار الإفتاء المصرية قد أصدرت فتوى تاريخية عام 2005 تؤكد أن “إحياء ذكرى الأولياء والصالحين وحبهم والفرح بهم أمرٌ مرغَّبٌ فيه شرعاً”، مع ضرورة إنكار أي أمور محرمة قد تحدث في هذه المناسبات. وتظل هذه الفتوى مرجعاً مهماً في النقاش الدائر حول الشرعية الدينية لهذه الظاهرة الاجتماعية المتجذرة في الوجدان المصري.





