صحة

هذا ما يحدث للجسم عند النوم بعد المواقف الحزينة

عندما تمر بيوم عاصف بالمشاعر وتخلد إلى النوم بحزن يثقل كاهلك، فإن جسدك وعقلك يشرعان في تنفيذ مهمة علاجية دقيقة أثناء نومك. فالنوم بعد المواقف المؤثرة ليس مجرد هروب من الواقع، بل هو عملية بيولوجية معقدة تساعد في إعادة التوازن العاطفي وتخفيف حدة الألم النفسي.

الدكتورة إيفا سيلهب، الخبيرة في الصحة العقلية والأستاذة في كلية الطب بجامعة هارفارد، تشرح بالتفصيل ما يحدث داخل أجسامنا عندما ننام بعد تجربة حزينة، وكيف يعمل النوم كـ”معالج ليلي” للمشاعر المؤلمة.


1- إفراز هرمونات مهدئة: لماذا نشعر بالنعاس بعد البكاء؟

عندما تبكي، لا تذرف دموعًا فحسب، بل يُطلق جسدك أيضًا مجموعة من الهرمونات المهدئة مثل الأوكسيتوسين والإندورفين. هذه الهرمونات تعمل كمسكنات طبيعية، حيث تخفف التوتر وتُحدث شعورًا بالراحة الجسدية والعاطفية.

وتوضح الدكتورة سيلهب أن هذه العملية الكيميائية تُسهِّل الانتقال إلى النوم، مما يخلق حالة من الاسترخاء العميق تساعد في تهدئة العواطف المضطربة. لذا، إذا شعرت بنعاس مفاجئ بعد نوبة بكاء، فاعلم أن جسدك يحاول حمايتك عبر هذه الآلية الذكية.


2- انتعاش الجسد: كيف يُصلح النوم ما أفسده الإجهاد العاطفي؟

البكاء الشديد يُنهك الجسم، وغالبًا ما يتركك تشعر بثقل في الجفون وارتخاء في العضلات. هذه الحالة ليست ضارة، بل هي إشارة بيولوجية تدعوك إلى النوم للسماح لجسدك بالتعافي.

أثناء النوم، ينشغل الجسم في إصلاح الأنسجة، موازنة الهرمونات (مثل الكورتيزول، هرمون التوتر)، وتجديد الطاقة. وهذا يعني أن النوم بعد البكاء ليس رفاهية، بل ضرورة لاستعادة التوازن الجسدي الذي اختل بسبب الضغط العاطفي.


3- معالجة المشاعر أثناء النوم: الدماغ يُخفف الألم ويحفظ الدرس

أثناء مرحلة النوم الحالم (REM Sleep)، التي تُعد الأكثر نشاطًا عقليًا، يبدأ الدماغ في إعادة معالجة الذكريات العاطفية. هنا يحدث شيء مذهل:

  • يتم فصل الذكرى المؤلمة عن الشحنة العاطفية المصاحبة لها.

  • يُخزّن الحدث في الذاكرة طويلة المدى، لكن مع تقليل ارتباطه بالألم.

  • يستخلص الدماغ “الدرس” من التجربة دون أن يغرق في دوامة المشاعر السلبية.

هذه العملية تشبه إلى حد كبير جلسة علاج نفسي ليليّة، حيث يُعاد تنظيم المشاعر بطريقة صحية.


4- استعادة السيطرة العاطفية: لماذا نستيقظ بأفكار أوضح؟

بعد نوم عميق تالٍ لحدث حزين، تلاحظ أن ردود فعلك أصبحت أكثر اتزانًا. هذا لأن النوم يعيد ضبط الجهاز العصبي اللاإرادي، المسؤول عن استجاباتنا العاطفية مثل القلق أو الغضب.

النتيجة؟

  • تصبح أكثر قدرة على التحكم في الانفعالات.

  • تظهر لديك رؤية أكثر وضوحًا للموقف.

  • تزداد مرونتك النفسية في مواجهة التحديات.


5- الذاكرة دون ألم: كيف يمحو النوم المشاعر ويبقي التجربة؟

النوم لا يمحو الذكريات المؤلمة، لكنه يُغيّر طريقة ارتباطنا بها. فبدلًا من أن تظل التجربة جرحًا نزيفًا، تتحول إلى خبرة مخزنة ببرودة عاطفية. هذا يفسر لماذا تصبح المواقف التي كانت مؤلمة في الماضي أقل إيلامًا بمرور الوقت، خاصة بعد ليالي نوم جيدة.


ماذا يحدث إذا حُرِمنا من النوم بعد التجارب العاطفية الصعبة؟

الحرمان من النوم بعد الأزمات النفسية يُعطل كل الآليات السابقة، ويؤدي إلى:

  1. تفاقم المشاعر السلبية:

    • تصبح ردود الأفعال مبالغًا فيها (غضب، قلق، حزن عميق).

    • تضعف الاستجابات الإيجابية، حتى في المواقف البسيطة.

  2. ضعف التعاطف:

    • تقل القدرة على فهم مشاعر الآخرين أو التعامل بها.

  3. اتخاذ قرارات سيئة:

    • الميل إلى الخيارات الاندفاعية أو الخطرة بسبب ضعف الحكم على الأمور.

  4. تعزيز القلق التوقعي:

    • خاصة لدى الأشخاص المعرضين للقلق، حيث يبدأ الدماغ في توقع الأسوأ باستمرار.


الخلاصة: النوم هو أفضل معالج نفسي مجاني

بعد يوم عصيب، لا تستهين بقوة النوم. فهو ليس هروبًا، بل أداة فعالة لإعادة ضبط المشاعر وترميم الجسد. إذا مررت بموقف مؤلم، اسمح لنفسك بالبكاء، ثم استسلم للنوم بثقة أن جسدك يعمل في الخفاء لمساعدتك على تجاوز الأزمة بقوة أكبر.

“النوم بعد الدموع لا يمحو الألم، لكنه يعلّمنا كيف نحملهُ بيدين أقل ارتعاشًا.” — إيفا سيلهب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى